الأحد، 23 مارس 2008

قبسات من رسالة الحقوق للإمام السجاد عليه السلام

قبسات من رسالة الحقوق للإمام السجاد عليه السلام

المحاضر: سماحة الشيخ علي مكي.
الوقت: الساعة الثامنة والنصف مساء.
المكان: مجلس الكرامة الأسبوعي – منزل د. عبد الجليل السنكيس.
الزمان: ليلة السبت - الموافق 21/3/2008م.


تحدث سماحة الشيخ علي مكي في بداية محاضرته حول علاقة الأمة بأهل البيت عليهم السلام، مبينا أن لو أخذت الأمة بمنهجهم " لوصلنا إلى مرحلة راقية من التحضر " لأنهم لم يتركوا شيئا إلا وبينوه في سبيل سعادتنا وتقدمنا.

وطرح سماحة الشيخ تساؤلا، هل يمكن الاكتفاء بفكر أهل البيت عليهم السلام دون الفكر الآخر المخالف لهم؟ وأجاب: نعم، موضحا أننا لو رجعنا ودرسنا تاريخ الثورات لوجدنا أنه انتهى بها المطاف إلى الاستبداد والدكتاتورية، بينما الثورات التي استندت إلى فكر أهل البيت عليهم السلام، وصلت إلى نتائج جيدة وديمقراطية كما هو الحاصل في الثورة الإسلامية في بقيادة الإمام الراحل الخميني (قدس سره).

واعتبر سماحة الشيخ علي مكي أن الدين يجعل الإنسان معطاءً لكل الخلق والبشرية أيا كانوا، وأيا كانت انتماءاتهم، نافيا أن يؤدي الدين إلى التسلط والاستبداد.

واستعرض سماحته رسالة الحقوق للإمام السجاد عليه السلام، مشيرا إلى أنها تنقسم إلى 3 أقسام:
- القسم الأول: ما يتعلق بحق الله سبحانه وتعالى.
- القسم الثاني: ما يتعلق بحق النفس.
- القسم الثالث: ما يتعلق بحق الناس.

في القسم الأول قرأ سماحة الشيخ علي مكي قول الإمام السجاد عليه السلام ( فأما حق الله الأكبر فإنك تعبده، لا تشرك به شيئاً،.. ). فحق الله هو بتقواه، وألا تعبد إلها غيره، ومن يعمل بهذا فإن الرب سبحانه وتعالى يتكفل بسائر أمورك.

وألمح سماحة الشيخ إلى أن الابتلاء هو من أكبر نعم الله سبحانه وتعالى، وكلما زاد إيمان الإنسان زاد بلاؤه، ومن لا يبتلى نرى كيف يعيش في البطر، ونرى المجتمع الذي يقل فيه الابتلاء يغيب فيه التكافل وتضعف داخله الروابط الاجتماعية.

أما في القسم الثاني فهو حول حق النفس على الإنسان: يقول الإمام السجاد عليه السلام: ( وأما حق نفسك عليك
فأن تستوفيها في طاعة الله، (وفي رواية) ان تستعملها بطاعة الله عز وجل فتؤدي إلى لسانك حقه، وإلى سمعك حقه، وإلى بصرك حقه وإلى يدك حقها، وإلى رجلك حقها، وإلى بطنك حقه، وإلى فرجك حقه، وتستعين بالله على ذلك ).
حيث شرح سماحة الشيخ أن حق الجوارح هو أن تعمل بها كل ما يرضي الله سبحانه وتعالى، لكي يصل الإنسان إلى الكمال المنشود.
ولفت سماحته إلى ضرورة الإعداد والتهيئة للنفس، مشيدا ومؤكدا بدور الوالدين في تربية التربية الصالحة للابن.

وفي حقوق الجوارح فقد شرح الشيخ أن لكل جارحة حق؛ فالسمع حقه ألا تسمع به الأصوات غير الصالحة والمحرمة، كالغناء، والغيبة، والنميمة .. إلخ. أما حق البصر فأن تغضه عما حرم الله سبحانه وتعالى. وأورد حديثا مأثورا عن الأئمة عليهم السلام في بيان حق البطن " نحن قوم لا نأكل حتى نجوع، وإذا أكلنا لا نشبع "، أي لا نملأ بطوننا من الطعام.

ثم انتقل سماحة الشيخ للحديث عن حقوق الأفعال كالصلاة والصيام والحج والصدقة وغيرها، ملفتا إلى أن من حق الصلاة هو أداؤها في وقتها، وترك كل ما يشغل الإنسان عنها، أما الصوم فهو لا يعني الإمساك عن الطعام والشراب، بل كذلك عن الكذب والغيبة .. إلخ، بحيث تحصل عند الإنسان ملكات حميدة كالصدق.

وفي بيان حق الحاكم: ( فأما حق سائسك بالسلطان .. )، فقد بين سماحة الشيخ أن الحاكم تارة يكون صالحا، وتارة يكون طالحا، وحق السلطان هو أن تخلص له في النصيحة، ولكن سماحته نبّه إلى أن التعامل يختلف بين أن يكون بين الفرد والسلطان، وبين المجتمع والسلطان.

واستشهد سماحة الشيخ علي مكي بحادثة رجل من خراسان للإمام الصادق عليه السلام الذي طلب منه الثورة مظهرا الاستعداد والنصرة، فما كان من الإمام إلا أن طلب منه أن يدخل في تنّور مشتعل، فتردد الرجل .. إلى أن جاء أحد أصحاب الإمام وهو أبو بصير فدعاه إلى الدخول في التنور فهم لدخول التنور دون أن يتردد، فما كان من الإمام إلا أن أوقفه... وجاء استشهاد الشيخ بهذه الحادثة ليبين الصدق والوفاء في النصيحة للإمام والسلطان.

وحول حق الرعية على الحاكم أوضح سماحته أن حق الرعية هو أن يعدل الحاكم بينها، كما على الرعية أن تراعي الحاكم، ولكنه استدرك وقال: المقصود ليس أي حاكم، بل هو الحاكم الصالح.

الأسئلة والمداخلات:

س: ألم يكن أهل البيت عليهم السلام يقيمون صلوات الجمعة والجماعة، وأين هي خطبهم سواء في صلاة الجمعة أو في العيد؟

سماحة الشيخ علي مكي: كانت الصلوات تقام في قترة قصيرة في حكم الإمام عليه السلام، ولكن ليس بما هو متعارف عليه، بينما بقية الأئمة عليهم السلام لم يقيموها باعتبار الظروف التي كانت سائدة آنذاك. ولما أراد المأمون الاستفادة من نفوذ الإمام الرضا عليه السلام وطلب منه الخروج لصلاة العيد، فخرج الإمام، وعندما رأى المأمون بأن الهيئة التي خرج بها الإمام عليه السلام تشكل خطرا عليه، طلب من الإمام أن يعود عن ذلك. فالإمام علي عليه السلام هو الذي أتيحت له الفرصة، بينما باقي الأئمة عليهم السلام لم يقيموها إلا في حدود معينة وعلى نطاق ضيق بين خواص أصحابهم، بسبب الظروف المحيطة بهم.

س: ذكرتم أن أهل البيت عليهم السلام هم الذي يشكلون المعيار والقدوة، فما رأيكم بمن يجعل عالم الدين هو المعيار ( للحق )؟

سماحة الشيخ علي مكي: يكون عالم الدين كذلك إذا حمل فكر أهل البيت الحقيقي والعميق، وبشكل واضح. قد يكون الإنسان على مستوى من العلم، ولكنه لا يحمل فكر نفسه، وليس فكر أهل البيت عليهم السلام. وفكر أهل البيت عليهم السلام لا يحارب المظلومين.

مداخلة للاستاذ محمد كاظم الشهابي:
لدي خاطرة أرجو أن تتسع لها صدوركم.
لقد نشأنا في بيئة تحمل تراث أهل البيت عليهم السلام .. كالمأتم، ولكني أجد خللا .. هناك مسافة بين التراث والعقيدة وبين الممارسة عندنا.. وقد تندرج بشكل أو بآخر تحت عنوان الظالمين لأهل البيت عليهم السلام، لأن أهل البيت لا يصبرون على الظلم ولا يسايرونه ولا يركنون إليه. هذه القبسات من رسالة الحقوق للإمام السجاد عليه السلام ضرورية ولكن ينبغي أن تكون ضمن حالة من المكاشفة.

ولدي ملاحظتين:
1- مع الإيمان بصحة الكثير من الروايات، ولكن قد يكون استدعاء بعض الروايات يشكل خطرا بدون أن ندرك ذلك، فلسنا مضطرين عندما نريد أن نبين الموقف السليم أن نستحضر مثل تلك الروايات ( رواية التنور) لأن الموقف السليم ندركه بالعقل. كما أننا في زمن غيبة الإمام المعصوم، ومن الخطأ أن نضفي صفة العصمة على غير المعصومين، فليس كل فقيه أو عالم يمثل الامتداد الحقيقي للمعصومين.
2- ذكر الشيخ بأننا شعب كبير ويحسب لنا ألف حساب ... أقول: نحن شعب مغلوب على أمره، ومقموع حتى من قواه الذاتية .. هناك قمع وتدجين سياسي .. ولم نرق إلى مستوى التحديات المطلوب خصوصا مع خروج موسم محرم وصفر .. وينتهي تفاعلنا بخروج الموسم .. الإمام الحسين ليس حاضرا في سلوكنا .. وهو مغيب في ممارستنا.

تعقيب الدكتور عبد الجليل السنكيس على مداخلة الشهابي:
وجدنا أن هناك حاجة لتسليط الضوء على كثير من المفاهيم التي تم تغييبها باستخدام ما أسميه ( الأفينة، أي استخدام عناوين دينية ضد ما يدعو له الدين ). الأمر الذي دعانا إلى استضافة المختصين من أجل توضيح تلك المفاهيم ورفع التضليل عن الناس مما يساء من سوء استخدام وتوظيف التاريخ.
نريد أن نعيد فهم ( وتشريب ) تلك المفاهيم؛ من أجل نقد وتغيير الواقع الذي نعيشه، ولتكون الرؤية واضحة عند الجميع بحيث يخلق نوع من المكاشفة الذاتية. ونحن نريد أن نحيي ذلك التراث ( تراث أهل البيت عليهم السلام )؛ لكي يكون مناراً للجميع يحيي النفوس.

س: أين الكذب في المشروع الإصلاحي؟
الجواب من أكثر من واحد من الحضور: المفروض أن يكون السؤال أين الصدق في المشروع الإصلاحي.

مداخلة لأحد الحضور: أرى أن النقد لجهة واحدة وهي لوم الناس، امر غير صحيح. الثقافة ليست شيئا وراثيا، وإنما الرجالات هم الذين يصنعونها. وبالمقارنة مع الشعوب الأخرى، ومنها شعوب غير مسلمة تراهم يحترمون الشخص الذي يضحي بنفسه من أجل القضية .. مفهوم الابتلاء جميل ولا أكاد أسمع به .. هناك ثقافة فن الممكن ولو كان بمقدمات فاسدة .. وهو يتعارض مع الطرح الإسلامي .. لدينا مشكلة مع ( الفكر النفعي ).

سماحة الشيخ علي مكي معقبا على مداخلة الشهابي: لا يمكن أن ننفي وجود من يتمسك بنهج الإمام الحسين عليه السلام .. هناك من يحاربون فكر الإمام الحسين باستخدام فكر الإمام الحسين. .

الشهابي موضحا: لم أقل أنه لايوجد من يحمل نهج الإمام الحسين .. بل أرى أن هناك من يتعيش من فكره عليه السلام..

يتابع الشيخ: الشارع الآن يتحرك بالجيل الجديد ( جيل ما بعد التسعينات ) .. وهناك من يحارب هذا الجيل بحجة التضرر مما يقومون به من أعمال احتجاج، وهل سبب الامام الحسين بخروجه مع نسائه ضررا لهن؟

لانقول بعدم وجود استمرارية بعد انتهاء الموسم .. بل هناك استمرار للاحتجاج .. وهو دليل وجود ارتباط وتطلع ب( نهج الإمام الحسين عليه السلام ) .. لديهم نفَسُ الإمام الحسين .. برفض الظلم والاستسلام ( شعار الإمام الحسين: هيهات منا الذلة ).

مداخلة أخرى لأحد الحضور: سمعت مفهوما .. وهو سياسة فن الممكن .. وكأنه كلمة حق يراد بها باطل .. أين هو الممكن؟ .. ينبغي أن يكون هناك ممكنا لنحققه وليس أن يكون مستحيلا.

سماحة الشيخ علي مكي: الله جل جلاله هو من له الكينونة، فيقول للشيء كن فيكون .. وليس عنده فن الممكن .. بل ( عبدي أطعني تكن مَثَلِي .. أقول للشيء كن فيكون، وتقول للشيء كن فيكون)، والتعامل مع الله سبحانه لا يتم بالحسابات الرياضية، وحزب الله لو تعامل كذلك لما انتصر، وأيضا في غزة .. وكذلك كان في معركة بدر .. التفكير ينبغي أن يكون أنني أؤدي تكليفي وكيف أؤديه.

ليست هناك تعليقات: