السبت، 29 مارس 2008



ندوة: ملامح حركة الإصلاح في عهد الإمام علي "ع"
مجلس الكرامة الأسبوعي


المنتدي: سماحة السيد كامل الهاشمي
ليلة السبت – الموافق 28/3/2008م


إنتدى سماحة السيد كامل الهاشمي في مجلس الكرامة الأسبوعي ليلة السبت الموافق 28/3/2008م، وذلك حول سمات المشروع الإصلاحي الذي سعى له الإمام علي عليه السلام في حركته لاسيما في بناء وإصلاح الجهاز الإداري للحكم.

ورأى سماحته أن المسألة تعتبر شائكة من عدة جهات على اعتبار أن المرحلة المذكورة كانت من أخطر المراحل التي عاشتها التجربة الإسلامية، وما عاشه الإمام علي عليه السلام مما حصل للمشروع الإسلامي من هبوط سريع عن ( تجربة النبوة)، وكذلك الوضع الذي كانت تعيشه البيئة الاجتماعية عند مجيء الإسلام.

واعتبر سماحته أن الإمام علي عليه السلام هو عقل البشرية، وأن العقل لا يكتمل إلا برعاية الدين الذي هو بمثابة رعاية الخبرة للتجربة. "وتأتي خبرة البشر بعد عدة ممارسات على أن تصبح تلك الممارسات مسلمات، بينما تأتي خبرة الوحي واضحة ويقينية".

وفضّـل الحديث عن الإمام علي عليه السلام كرجل من رجالات التاريخ مبتعدا عن " زاوية الفئوية والمذهبية "؛ لأنه "يمثل العقلانية في ذاته" وهو قادر على إعطاء قواعد عامة تنظم شؤون المجتمع بما في ذلك شؤونه الإدارية.

وحسب السيد الهاشمي فإن الإمام علي عليه السلام اعتمد على التأسيس العقلي في مجمل رؤيته للأنبياء والرسل عليهم السلام ((.. فبعث فيهم رسله وواتر إليهم أنبياءه، ليستأدوهم ميثاق فطرته ويذكروهم منسي نعمته ويحتجوا عليهم بالتبليغ ويثيروا لهم دفائن العقول... )) "من خطبة للإمام علي عليه السلام في كتاب نهج البلاغة".

وأوضح الهاشمي أن الإنسان يمتلك قدرات ( عقلية ) طمرها الجهل والتقديس و .. إلخ، وهذه القدرات بحاجة إلى إثارة .. متسائلا عمن يمارس هذا الدور، ليجيب أنه الاتجاه الديني، مبينا أن المقصود بدفائن العقول، ما هو مدفون من العقول، ويأتي الأنبياء والرسل عليهم السلام لكي يزيحوه، معتبرا أنها قضية معرفية مهمة تبدأ بإثارة العقل" فلا توجد استجابة بلا إثارة ".

ومـثـّـل سماحته ذلك بأن العقول تحجر وتوضع في صناديق، " والصناديق التي نضع عقولنا فيها كثيرة"، منها: الأطر الاجتماعية، والخوف من التفكير في شيء معين لا يرغب به الطرف الآخر. ومضى في القول بأن " طبيعة الطاغية هي ليس الاكتفاء بحبس الأبدان في السجون، بل بقمع التفكير, ( وحبس العقول ) "، أما العالم فلا يخشى من السؤال؛ لأنه باستثارة التفكير يبني أفكار الناس.

وعزا سماحة السيد الهاشمي سكوت الإمام علي عليه السلام طيلة 25 سنة بأنه كان " من أجل أن يظهر الآخرون على حقيقتهم ". وبيّن سماحته بأن الحروب التي شُغِلَ بها الأمير عليه السلام لم تجعله يتفرغ لبناء الدولة كما ينبغي؛ لأن " استقرار الدولة المدني، هو باستقرارها سياسيا واجتماعيا ".

وسلّـط الضوء على ضبط وتوجيه ممارسات الجهاز الإداري في ذلك العهد من جباية الأموال، والزكوات، وحفظ الأمن الداخلي والخارجي للدولة، وتنظيم المرافق العامة.
وشَرَحَ أن الجهاز الإداري يحتاج إلى سلطة، ورجل السلطة يكون له ظروفه ومقتضياته. وفرضية التعسف في استعمال السلطة موجودة. وفي هذا السياق فإن الله تبارك وتعالى وجـّه نصائح للمعصوم، وفي بعضها تحمل شيئا من التهديد كما تقول الآية (( ولو تقول علينا بعض الأقاويل، لأخذنا منه باليمين، ثم لقطعنا منه الوتين، فما منكم من أحد عنه حاجزين )) الحاقة: 44 – 47 .

ويتابع السيد الهاشمي القول بأن مبدأ الإسلام هو: أن المسؤولية تتناسب مع الصلاحية .. (( يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا )) الأحزاب: 30.

وألمح سماحته إلى وجود " قضية قد تبدو بسيطة، وهي موجودة في تاريخنا الإسلامي وتأسس لمسائل في غاية الخطورة ".واستعرض سماحته في هذا الشأن بعضا من الروايات والأحداث التي حصلت في الصدر الأول من الإسلام على عهد النبي الأعظم صلى الله عليه وآله. والتي تعبر عن " تجربة النبي (ص) في إدارة السلطة ". منها ما جاء في كتاب المصنف لعبد الرزاق الصنعاني من محاسبة النبي (ص) لرجل كان يجبي الأموال ويأخذ الهدايا من الناس. حيث قال له النبي (ص): (( هلا جلست في بيت أبيك وبيت أمك حتى تأتيك هديتك .. )).

وأوضح سماحة السيد أن هذه المسألة تتأسس عليها تفريعات في واقعنا الديني والسياسي. وأن السلطة تستدعي مزيدا من المحاسبة، وحيث توجد السلطة توجد المحاسبة.

ومن تلك الروايات، رواية المرأة المخزومية التي سرقت فدفعت قريش بأسامة بن زيد ليشفع لها عند النبي (ص) لكي لا تقطع يدها، وما روي من أن النبي (ص) غضب وخطب حتى قال: (( .. لو أن فاطمة بنت محمد سرقت ( وحاشاها أن تفعل )، لقطعت يدها ..)). وأيضا قضية خالد بن الوليد مع بني جُذيمة، والذي بعثه الرسول ليدعوهم إلى الإسلام، وكانت بينه وبينهم ثارات في الجاهلية، فأعطاهم الأمان حتى أوثقهم وقتلهم. فما كان من النبي إلا أن تبرأ من فعل خالد ودفع الدية إليهم.

وقال سماحة السيد كامل الهاشمي أنّ الإمام علي عليه السلام هو مؤسس العقلانية الإدارية.

وقرأ سماحته ما أوصى (ع) مالك الأشتر لما ولاه مصر في شأن العمّال: (( انظر في أمور عمالك الذين تستعمل، فليكن استعمالك إياهم اختيارا، ولا يكونن محاباةً ولا إيثاراً... ))، فأي عامل يوضع تحت الاختبار ليعلم كفاءته و إخلاصه في العمل.
كما استحضر مقولة ( إن الله يَزَعُ بالسلطان، ما لا يَزَعُ بالقرآن )، والمعنى أن الاعتماد على ضمير الشخص لا يكفي في الرقابة الإدارية عليه.


ليست هناك تعليقات: