السبت، 29 مارس 2008



ندوة: ملامح حركة الإصلاح في عهد الإمام علي "ع"
مجلس الكرامة الأسبوعي


المنتدي: سماحة السيد كامل الهاشمي
ليلة السبت – الموافق 28/3/2008م


إنتدى سماحة السيد كامل الهاشمي في مجلس الكرامة الأسبوعي ليلة السبت الموافق 28/3/2008م، وذلك حول سمات المشروع الإصلاحي الذي سعى له الإمام علي عليه السلام في حركته لاسيما في بناء وإصلاح الجهاز الإداري للحكم.

ورأى سماحته أن المسألة تعتبر شائكة من عدة جهات على اعتبار أن المرحلة المذكورة كانت من أخطر المراحل التي عاشتها التجربة الإسلامية، وما عاشه الإمام علي عليه السلام مما حصل للمشروع الإسلامي من هبوط سريع عن ( تجربة النبوة)، وكذلك الوضع الذي كانت تعيشه البيئة الاجتماعية عند مجيء الإسلام.

واعتبر سماحته أن الإمام علي عليه السلام هو عقل البشرية، وأن العقل لا يكتمل إلا برعاية الدين الذي هو بمثابة رعاية الخبرة للتجربة. "وتأتي خبرة البشر بعد عدة ممارسات على أن تصبح تلك الممارسات مسلمات، بينما تأتي خبرة الوحي واضحة ويقينية".

وفضّـل الحديث عن الإمام علي عليه السلام كرجل من رجالات التاريخ مبتعدا عن " زاوية الفئوية والمذهبية "؛ لأنه "يمثل العقلانية في ذاته" وهو قادر على إعطاء قواعد عامة تنظم شؤون المجتمع بما في ذلك شؤونه الإدارية.

وحسب السيد الهاشمي فإن الإمام علي عليه السلام اعتمد على التأسيس العقلي في مجمل رؤيته للأنبياء والرسل عليهم السلام ((.. فبعث فيهم رسله وواتر إليهم أنبياءه، ليستأدوهم ميثاق فطرته ويذكروهم منسي نعمته ويحتجوا عليهم بالتبليغ ويثيروا لهم دفائن العقول... )) "من خطبة للإمام علي عليه السلام في كتاب نهج البلاغة".

وأوضح الهاشمي أن الإنسان يمتلك قدرات ( عقلية ) طمرها الجهل والتقديس و .. إلخ، وهذه القدرات بحاجة إلى إثارة .. متسائلا عمن يمارس هذا الدور، ليجيب أنه الاتجاه الديني، مبينا أن المقصود بدفائن العقول، ما هو مدفون من العقول، ويأتي الأنبياء والرسل عليهم السلام لكي يزيحوه، معتبرا أنها قضية معرفية مهمة تبدأ بإثارة العقل" فلا توجد استجابة بلا إثارة ".

ومـثـّـل سماحته ذلك بأن العقول تحجر وتوضع في صناديق، " والصناديق التي نضع عقولنا فيها كثيرة"، منها: الأطر الاجتماعية، والخوف من التفكير في شيء معين لا يرغب به الطرف الآخر. ومضى في القول بأن " طبيعة الطاغية هي ليس الاكتفاء بحبس الأبدان في السجون، بل بقمع التفكير, ( وحبس العقول ) "، أما العالم فلا يخشى من السؤال؛ لأنه باستثارة التفكير يبني أفكار الناس.

وعزا سماحة السيد الهاشمي سكوت الإمام علي عليه السلام طيلة 25 سنة بأنه كان " من أجل أن يظهر الآخرون على حقيقتهم ". وبيّن سماحته بأن الحروب التي شُغِلَ بها الأمير عليه السلام لم تجعله يتفرغ لبناء الدولة كما ينبغي؛ لأن " استقرار الدولة المدني، هو باستقرارها سياسيا واجتماعيا ".

وسلّـط الضوء على ضبط وتوجيه ممارسات الجهاز الإداري في ذلك العهد من جباية الأموال، والزكوات، وحفظ الأمن الداخلي والخارجي للدولة، وتنظيم المرافق العامة.
وشَرَحَ أن الجهاز الإداري يحتاج إلى سلطة، ورجل السلطة يكون له ظروفه ومقتضياته. وفرضية التعسف في استعمال السلطة موجودة. وفي هذا السياق فإن الله تبارك وتعالى وجـّه نصائح للمعصوم، وفي بعضها تحمل شيئا من التهديد كما تقول الآية (( ولو تقول علينا بعض الأقاويل، لأخذنا منه باليمين، ثم لقطعنا منه الوتين، فما منكم من أحد عنه حاجزين )) الحاقة: 44 – 47 .

ويتابع السيد الهاشمي القول بأن مبدأ الإسلام هو: أن المسؤولية تتناسب مع الصلاحية .. (( يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا )) الأحزاب: 30.

وألمح سماحته إلى وجود " قضية قد تبدو بسيطة، وهي موجودة في تاريخنا الإسلامي وتأسس لمسائل في غاية الخطورة ".واستعرض سماحته في هذا الشأن بعضا من الروايات والأحداث التي حصلت في الصدر الأول من الإسلام على عهد النبي الأعظم صلى الله عليه وآله. والتي تعبر عن " تجربة النبي (ص) في إدارة السلطة ". منها ما جاء في كتاب المصنف لعبد الرزاق الصنعاني من محاسبة النبي (ص) لرجل كان يجبي الأموال ويأخذ الهدايا من الناس. حيث قال له النبي (ص): (( هلا جلست في بيت أبيك وبيت أمك حتى تأتيك هديتك .. )).

وأوضح سماحة السيد أن هذه المسألة تتأسس عليها تفريعات في واقعنا الديني والسياسي. وأن السلطة تستدعي مزيدا من المحاسبة، وحيث توجد السلطة توجد المحاسبة.

ومن تلك الروايات، رواية المرأة المخزومية التي سرقت فدفعت قريش بأسامة بن زيد ليشفع لها عند النبي (ص) لكي لا تقطع يدها، وما روي من أن النبي (ص) غضب وخطب حتى قال: (( .. لو أن فاطمة بنت محمد سرقت ( وحاشاها أن تفعل )، لقطعت يدها ..)). وأيضا قضية خالد بن الوليد مع بني جُذيمة، والذي بعثه الرسول ليدعوهم إلى الإسلام، وكانت بينه وبينهم ثارات في الجاهلية، فأعطاهم الأمان حتى أوثقهم وقتلهم. فما كان من النبي إلا أن تبرأ من فعل خالد ودفع الدية إليهم.

وقال سماحة السيد كامل الهاشمي أنّ الإمام علي عليه السلام هو مؤسس العقلانية الإدارية.

وقرأ سماحته ما أوصى (ع) مالك الأشتر لما ولاه مصر في شأن العمّال: (( انظر في أمور عمالك الذين تستعمل، فليكن استعمالك إياهم اختيارا، ولا يكونن محاباةً ولا إيثاراً... ))، فأي عامل يوضع تحت الاختبار ليعلم كفاءته و إخلاصه في العمل.
كما استحضر مقولة ( إن الله يَزَعُ بالسلطان، ما لا يَزَعُ بالقرآن )، والمعنى أن الاعتماد على ضمير الشخص لا يكفي في الرقابة الإدارية عليه.


الأربعاء، 26 مارس 2008

ملتقى مجلس الكرامة الأسبوعي

ندوة هذا الأسبوع الموافق 28 مارس 2008م

"ملامح حركة الإصلاح في عهد الإمام علي "ع"

المنتدي : السيد كامل الهاشمي

تبدأ في تمام الساعة الثامنة والنصف مساء الجمعة ليلة السبت

المكان: منزل عبدالجليل السنكيس الكائن بكرباباد

رئيس‮ »‬أمل‮« ‬ينتدي‮ ‬حول‮ »‬صفات التابعين‮« ‬الجمعة




رئيس‮ »‬أمل‮« ‬ينتدي‮ ‬حول‮ »‬صفات التابعين‮« ‬الجمعة



يقدم الأمين العام لجمعية العمل الاسلامي‮ ‬الشيخ محمد علي‮ ‬المحفوظ ندوة حول‮ »‬صفات التابعين‮« ‬بمجلس الكرامة الأسبوعي‮ ‬وهو مجلس المسؤول الاعلامي‮ ‬بحركة‮ »‬حق‮« ‬د‮. ‬عبدالجليل السنكيس،‮ ‬كما ستكون هناك ندوة أخرى أيضا سيتناول فيها سيد كامل الهامشي‮ ‬ورقة حول‮ »‬ملامح حركة الإصلاح في‮ ‬عهد الإمام علي‮ ‬عليه السلام‮«.‬تعقد الندوة في‮ ‬يوم الجمعة المقبل الموافق ‮٨٢ ‬مارس ‮٨٠٠٢. ‬وتبدأ الندوتان في‮ ‬الساعة ‮٨٠٣ ‬مساء‮ ‬يوم الجمعة ليلة السبت من كل أسبوع‮. ‬ويقع منزل د‮. ‬عبدالجليل السنكيس في‮ ‬منطقة كرباباد‮ ‬غرب مطعم زيارة‮.‬
مصدر المقال: صحيفة الأيام - http://www.alayam.com/


الأحد، 23 مارس 2008

إعلان ندوة- ملامح حركة الإصلاح في عهد الإمام علي (ع)

قبسات من رسالة الحقوق للإمام السجاد عليه السلام

قبسات من رسالة الحقوق للإمام السجاد عليه السلام

المحاضر: سماحة الشيخ علي مكي.
الوقت: الساعة الثامنة والنصف مساء.
المكان: مجلس الكرامة الأسبوعي – منزل د. عبد الجليل السنكيس.
الزمان: ليلة السبت - الموافق 21/3/2008م.


تحدث سماحة الشيخ علي مكي في بداية محاضرته حول علاقة الأمة بأهل البيت عليهم السلام، مبينا أن لو أخذت الأمة بمنهجهم " لوصلنا إلى مرحلة راقية من التحضر " لأنهم لم يتركوا شيئا إلا وبينوه في سبيل سعادتنا وتقدمنا.

وطرح سماحة الشيخ تساؤلا، هل يمكن الاكتفاء بفكر أهل البيت عليهم السلام دون الفكر الآخر المخالف لهم؟ وأجاب: نعم، موضحا أننا لو رجعنا ودرسنا تاريخ الثورات لوجدنا أنه انتهى بها المطاف إلى الاستبداد والدكتاتورية، بينما الثورات التي استندت إلى فكر أهل البيت عليهم السلام، وصلت إلى نتائج جيدة وديمقراطية كما هو الحاصل في الثورة الإسلامية في بقيادة الإمام الراحل الخميني (قدس سره).

واعتبر سماحة الشيخ علي مكي أن الدين يجعل الإنسان معطاءً لكل الخلق والبشرية أيا كانوا، وأيا كانت انتماءاتهم، نافيا أن يؤدي الدين إلى التسلط والاستبداد.

واستعرض سماحته رسالة الحقوق للإمام السجاد عليه السلام، مشيرا إلى أنها تنقسم إلى 3 أقسام:
- القسم الأول: ما يتعلق بحق الله سبحانه وتعالى.
- القسم الثاني: ما يتعلق بحق النفس.
- القسم الثالث: ما يتعلق بحق الناس.

في القسم الأول قرأ سماحة الشيخ علي مكي قول الإمام السجاد عليه السلام ( فأما حق الله الأكبر فإنك تعبده، لا تشرك به شيئاً،.. ). فحق الله هو بتقواه، وألا تعبد إلها غيره، ومن يعمل بهذا فإن الرب سبحانه وتعالى يتكفل بسائر أمورك.

وألمح سماحة الشيخ إلى أن الابتلاء هو من أكبر نعم الله سبحانه وتعالى، وكلما زاد إيمان الإنسان زاد بلاؤه، ومن لا يبتلى نرى كيف يعيش في البطر، ونرى المجتمع الذي يقل فيه الابتلاء يغيب فيه التكافل وتضعف داخله الروابط الاجتماعية.

أما في القسم الثاني فهو حول حق النفس على الإنسان: يقول الإمام السجاد عليه السلام: ( وأما حق نفسك عليك
فأن تستوفيها في طاعة الله، (وفي رواية) ان تستعملها بطاعة الله عز وجل فتؤدي إلى لسانك حقه، وإلى سمعك حقه، وإلى بصرك حقه وإلى يدك حقها، وإلى رجلك حقها، وإلى بطنك حقه، وإلى فرجك حقه، وتستعين بالله على ذلك ).
حيث شرح سماحة الشيخ أن حق الجوارح هو أن تعمل بها كل ما يرضي الله سبحانه وتعالى، لكي يصل الإنسان إلى الكمال المنشود.
ولفت سماحته إلى ضرورة الإعداد والتهيئة للنفس، مشيدا ومؤكدا بدور الوالدين في تربية التربية الصالحة للابن.

وفي حقوق الجوارح فقد شرح الشيخ أن لكل جارحة حق؛ فالسمع حقه ألا تسمع به الأصوات غير الصالحة والمحرمة، كالغناء، والغيبة، والنميمة .. إلخ. أما حق البصر فأن تغضه عما حرم الله سبحانه وتعالى. وأورد حديثا مأثورا عن الأئمة عليهم السلام في بيان حق البطن " نحن قوم لا نأكل حتى نجوع، وإذا أكلنا لا نشبع "، أي لا نملأ بطوننا من الطعام.

ثم انتقل سماحة الشيخ للحديث عن حقوق الأفعال كالصلاة والصيام والحج والصدقة وغيرها، ملفتا إلى أن من حق الصلاة هو أداؤها في وقتها، وترك كل ما يشغل الإنسان عنها، أما الصوم فهو لا يعني الإمساك عن الطعام والشراب، بل كذلك عن الكذب والغيبة .. إلخ، بحيث تحصل عند الإنسان ملكات حميدة كالصدق.

وفي بيان حق الحاكم: ( فأما حق سائسك بالسلطان .. )، فقد بين سماحة الشيخ أن الحاكم تارة يكون صالحا، وتارة يكون طالحا، وحق السلطان هو أن تخلص له في النصيحة، ولكن سماحته نبّه إلى أن التعامل يختلف بين أن يكون بين الفرد والسلطان، وبين المجتمع والسلطان.

واستشهد سماحة الشيخ علي مكي بحادثة رجل من خراسان للإمام الصادق عليه السلام الذي طلب منه الثورة مظهرا الاستعداد والنصرة، فما كان من الإمام إلا أن طلب منه أن يدخل في تنّور مشتعل، فتردد الرجل .. إلى أن جاء أحد أصحاب الإمام وهو أبو بصير فدعاه إلى الدخول في التنور فهم لدخول التنور دون أن يتردد، فما كان من الإمام إلا أن أوقفه... وجاء استشهاد الشيخ بهذه الحادثة ليبين الصدق والوفاء في النصيحة للإمام والسلطان.

وحول حق الرعية على الحاكم أوضح سماحته أن حق الرعية هو أن يعدل الحاكم بينها، كما على الرعية أن تراعي الحاكم، ولكنه استدرك وقال: المقصود ليس أي حاكم، بل هو الحاكم الصالح.

الأسئلة والمداخلات:

س: ألم يكن أهل البيت عليهم السلام يقيمون صلوات الجمعة والجماعة، وأين هي خطبهم سواء في صلاة الجمعة أو في العيد؟

سماحة الشيخ علي مكي: كانت الصلوات تقام في قترة قصيرة في حكم الإمام عليه السلام، ولكن ليس بما هو متعارف عليه، بينما بقية الأئمة عليهم السلام لم يقيموها باعتبار الظروف التي كانت سائدة آنذاك. ولما أراد المأمون الاستفادة من نفوذ الإمام الرضا عليه السلام وطلب منه الخروج لصلاة العيد، فخرج الإمام، وعندما رأى المأمون بأن الهيئة التي خرج بها الإمام عليه السلام تشكل خطرا عليه، طلب من الإمام أن يعود عن ذلك. فالإمام علي عليه السلام هو الذي أتيحت له الفرصة، بينما باقي الأئمة عليهم السلام لم يقيموها إلا في حدود معينة وعلى نطاق ضيق بين خواص أصحابهم، بسبب الظروف المحيطة بهم.

س: ذكرتم أن أهل البيت عليهم السلام هم الذي يشكلون المعيار والقدوة، فما رأيكم بمن يجعل عالم الدين هو المعيار ( للحق )؟

سماحة الشيخ علي مكي: يكون عالم الدين كذلك إذا حمل فكر أهل البيت الحقيقي والعميق، وبشكل واضح. قد يكون الإنسان على مستوى من العلم، ولكنه لا يحمل فكر نفسه، وليس فكر أهل البيت عليهم السلام. وفكر أهل البيت عليهم السلام لا يحارب المظلومين.

مداخلة للاستاذ محمد كاظم الشهابي:
لدي خاطرة أرجو أن تتسع لها صدوركم.
لقد نشأنا في بيئة تحمل تراث أهل البيت عليهم السلام .. كالمأتم، ولكني أجد خللا .. هناك مسافة بين التراث والعقيدة وبين الممارسة عندنا.. وقد تندرج بشكل أو بآخر تحت عنوان الظالمين لأهل البيت عليهم السلام، لأن أهل البيت لا يصبرون على الظلم ولا يسايرونه ولا يركنون إليه. هذه القبسات من رسالة الحقوق للإمام السجاد عليه السلام ضرورية ولكن ينبغي أن تكون ضمن حالة من المكاشفة.

ولدي ملاحظتين:
1- مع الإيمان بصحة الكثير من الروايات، ولكن قد يكون استدعاء بعض الروايات يشكل خطرا بدون أن ندرك ذلك، فلسنا مضطرين عندما نريد أن نبين الموقف السليم أن نستحضر مثل تلك الروايات ( رواية التنور) لأن الموقف السليم ندركه بالعقل. كما أننا في زمن غيبة الإمام المعصوم، ومن الخطأ أن نضفي صفة العصمة على غير المعصومين، فليس كل فقيه أو عالم يمثل الامتداد الحقيقي للمعصومين.
2- ذكر الشيخ بأننا شعب كبير ويحسب لنا ألف حساب ... أقول: نحن شعب مغلوب على أمره، ومقموع حتى من قواه الذاتية .. هناك قمع وتدجين سياسي .. ولم نرق إلى مستوى التحديات المطلوب خصوصا مع خروج موسم محرم وصفر .. وينتهي تفاعلنا بخروج الموسم .. الإمام الحسين ليس حاضرا في سلوكنا .. وهو مغيب في ممارستنا.

تعقيب الدكتور عبد الجليل السنكيس على مداخلة الشهابي:
وجدنا أن هناك حاجة لتسليط الضوء على كثير من المفاهيم التي تم تغييبها باستخدام ما أسميه ( الأفينة، أي استخدام عناوين دينية ضد ما يدعو له الدين ). الأمر الذي دعانا إلى استضافة المختصين من أجل توضيح تلك المفاهيم ورفع التضليل عن الناس مما يساء من سوء استخدام وتوظيف التاريخ.
نريد أن نعيد فهم ( وتشريب ) تلك المفاهيم؛ من أجل نقد وتغيير الواقع الذي نعيشه، ولتكون الرؤية واضحة عند الجميع بحيث يخلق نوع من المكاشفة الذاتية. ونحن نريد أن نحيي ذلك التراث ( تراث أهل البيت عليهم السلام )؛ لكي يكون مناراً للجميع يحيي النفوس.

س: أين الكذب في المشروع الإصلاحي؟
الجواب من أكثر من واحد من الحضور: المفروض أن يكون السؤال أين الصدق في المشروع الإصلاحي.

مداخلة لأحد الحضور: أرى أن النقد لجهة واحدة وهي لوم الناس، امر غير صحيح. الثقافة ليست شيئا وراثيا، وإنما الرجالات هم الذين يصنعونها. وبالمقارنة مع الشعوب الأخرى، ومنها شعوب غير مسلمة تراهم يحترمون الشخص الذي يضحي بنفسه من أجل القضية .. مفهوم الابتلاء جميل ولا أكاد أسمع به .. هناك ثقافة فن الممكن ولو كان بمقدمات فاسدة .. وهو يتعارض مع الطرح الإسلامي .. لدينا مشكلة مع ( الفكر النفعي ).

سماحة الشيخ علي مكي معقبا على مداخلة الشهابي: لا يمكن أن ننفي وجود من يتمسك بنهج الإمام الحسين عليه السلام .. هناك من يحاربون فكر الإمام الحسين باستخدام فكر الإمام الحسين. .

الشهابي موضحا: لم أقل أنه لايوجد من يحمل نهج الإمام الحسين .. بل أرى أن هناك من يتعيش من فكره عليه السلام..

يتابع الشيخ: الشارع الآن يتحرك بالجيل الجديد ( جيل ما بعد التسعينات ) .. وهناك من يحارب هذا الجيل بحجة التضرر مما يقومون به من أعمال احتجاج، وهل سبب الامام الحسين بخروجه مع نسائه ضررا لهن؟

لانقول بعدم وجود استمرارية بعد انتهاء الموسم .. بل هناك استمرار للاحتجاج .. وهو دليل وجود ارتباط وتطلع ب( نهج الإمام الحسين عليه السلام ) .. لديهم نفَسُ الإمام الحسين .. برفض الظلم والاستسلام ( شعار الإمام الحسين: هيهات منا الذلة ).

مداخلة أخرى لأحد الحضور: سمعت مفهوما .. وهو سياسة فن الممكن .. وكأنه كلمة حق يراد بها باطل .. أين هو الممكن؟ .. ينبغي أن يكون هناك ممكنا لنحققه وليس أن يكون مستحيلا.

سماحة الشيخ علي مكي: الله جل جلاله هو من له الكينونة، فيقول للشيء كن فيكون .. وليس عنده فن الممكن .. بل ( عبدي أطعني تكن مَثَلِي .. أقول للشيء كن فيكون، وتقول للشيء كن فيكون)، والتعامل مع الله سبحانه لا يتم بالحسابات الرياضية، وحزب الله لو تعامل كذلك لما انتصر، وأيضا في غزة .. وكذلك كان في معركة بدر .. التفكير ينبغي أن يكون أنني أؤدي تكليفي وكيف أؤديه.

الخميس، 20 مارس 2008

اعلان ندوة قبسات من رسالة الحقوق للإمام زين العابدين ( ع )

يستضيـــف


ملتقــى مجلــس الكرامــة الاسبوعــي


سماحـــــــة الشيــــــخ علــي مكــي

نـــــــدوة بعنـــــــوان


قبسات من رسالة الحقوق للإمام زين العابدين ( ع )


المكان : منزل الدكتور عبد الجليل السنكيس بكرباباد – غرب مطعم زيارة
الزمان : الساعــــة الثامنــة والنصــف –
مساء الجمعــة ليلــة السبــت –
الموافق : 21 مارس 2008م

الأربعاء، 19 مارس 2008

‮»‬ماركس‮« ‬يحضر في‮ ‬ندوةلعبدالوهاب بمجلس السنقيس





‮»‬ماركس‮« ‬يحضر في‮ ‬ندوةلعبدالوهاب بمجلس السنقيس


انتقد عبدالوهاب حسين عبارة‮ »‬ماركس‮« ‬بأن‮ »‬الدين أفيون الشعوب‮«.‬


وقال في‮ ‬ندوة له بمجلس الكرامة لعبدالجليل السنقيس ردا على سؤال حول موقفه من عبارة‮ »‬ماركس‮« ‬الشهيرة‮: »‬كان التوظيف السيئ للدين في‮ ‬أوروبا العصور الوسطى هو المسؤول عن ظهور العلمانية ومثل هذه المقولة الباطلة،‮ ‬وإسلاميا كنا ومازلنا نرد على هذه المقولة الباطلة استنادا إلى النصوص الدينية القطعية الصدور والدلالة،‮ ‬واستنادا إلى سيرة الأنبياء والأوصياء عليهم السلام،‮ ‬فالدين في‮ ‬نفسه هو السبيل إلى العدل والحرية والتقدم والازدهار في‮ ‬الحياة‮.‬وفي‮ ‬الواقع،‮ ‬فإن الحكومات الجائرة وبمساندة وعاظ السلاطين وضعف بعض القائمين على الدين،‮ ‬قد تحول الدين‮ - ‬وهو أقوى العوامل تأثيرا على الإنسان‮ - ‬إلى أفيون لتخدير الشعوب وقبولها بالأمر الواقع الظالم والمنحرف،‮ ‬والدليل على ذلك‮: ‬تكرس الظلم والتخلف والفساد في‮ ‬الدول الإسلامية لقرون متعاقبة،‮ ‬وعجز الشعوب الإسلامية عن إزالتها رغم أنها تدين بالإسلام،‮ ‬وهذا عار‮ ‬يجب أن‮ ‬يغسل،‮ ‬والدين منه بريء‮«.‬


http://www.alayam.com/ArticleDetail.asp?CategoryId=32&ArticleId=317025

الثلاثاء، 18 مارس 2008

كلمة العلامة الشيخ عبد الجليل المقداد في مجلس الكرامة الأسبوعي

كلمة العلامة الشيخ عبد الجليل المقداد في مجلس الكرامة الأسبوعي - منزل الدكتور عبد الجليل السنكيس.

ليلة السبت - الموافق 14/3/2008م.

( المقاومة المدنية السلمية في فقه وسلوك الأئمة عليهم السلام )
بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين،ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين ..

الحديث عن موقف الأئمة عليهم أفض الصلاة والسلام من حكام الجور .. حديث لا يخلو من صعوبة لما يرى من - لعله- تهافت في مرحلة الظاهر حيث نجد الفرق بين سيرة الحسين عليه أفضل الصلاة والسلام مع سيرة الحسن عليه أفضل الصلاة والسلام، تهافت ظاهر وإن كان في النهاية يلتقي هذه الموقف، مع هذا الموقف، ويصبان معا في مصلحة هذا الدين، إلا أنه قد يرى نحو من التهافت بين هذين الموقفين.

ومن هنا قد يجد الباحث صعوبة في إبراز الموقف الواضح المتسامي لأئمتنا عليهم أفضل الصلاة والسلام من حكام الجور.

والصعوبة تكمن: أولا: لأن الباحث حينما يريد أن يستنير وحينما يريد أن يحلل سيرة الأئمة عليهم أفضل الصلاة والسلام إنما يريد من أجل تحديد موقف عملي يكون له عذرا بينه وبين الله سبحانه وتعالى.

ثانيا: وأيضا البحث هنا يتعلق بالغير، وأنت تقوم بتحليل سيرة الغير، وأي غير؟ سيرة إنسان معصوم، تريد أن تحلل وأن تستنبط سيرته الواضحة التي تبني عليها أثر. من هنا ينبغي للإنسان أن يلتزم الحيطة والحذر، فهو لا يتكلم عن تحليل موقف إنسان عادي، إنما يتكلم من أجل تحليل موقف إنسان معصوم. فلا بد من التزام الحيطة والحذر حتى لا يقع في توهين للأئمة عليهم أفضل الصلاة والسلام أو ظلم في حقهم.

ثالثا: وأيضا الصعوبة تكمن في أن هذه القضية تتصل بالدين، فأي تحريف لا سمح الله فيها، إنما هو تحريف للدين ، وتحريف لقيم الدين.

هذه المباحث ينبغي للإنسان وهو يلجها ويحاول أن يستنبطها وأن يصل إلى الموقف الواقعي لأئمتنا عليهم أفضل الصلاة والسلام، أن تتمثل فيه غاية النزاهة، وأن يتجرد عن كل الملابسات التي يمكن أن تَمينُ به إلى تحليل قد لا يكون هو الحق، وإنما يكون نتيجة تأثر بثقافة، أو تأثر بسوابق يعيشها الإنسان، أو تأثر- على كل حال - بدفع نحو اتجاه معين. ولذا الأمانة تقتضي أن يتجرد الإنسان عن كل شيء، وأن يدخل في مثل هذه المباحث بنزاهة وأن يتخلى عن سوابقه، وعن مصالحه، وعن رغباته، وعن مواقفه، وعن كل شيء. ومن هنا نرى خطورة التعامل مع سيرة أئمتنا عليهم أفضل الصلاة والسلام؛ حيث نجد أن هناك من يحاول إسقاط سيرة أئمتنا عليهم أفضل الصلاة والسلام على سلوكه، وهذا ظلم للحقيقة أن تأتي وتسقط سيرة الإمام على سلوكك. والحال أن المفروض على الإنسان أن يعرض سلوكه ومواقفه على قيم الدين وتعاليمه. أمّا أن يكون الإنسان يسلك نهجا معينا، ويحمل فكرا معينا ويحاول أن يسقط سيرة الأئمة على سلوكه وفكره فهذا خطأ. يعني أن يأتي بسيرة الأئمة ويفصلها على حسب شخصيته وسلوكه وفكره، لا تزيد ولا تنقص. كلا .. تعال إلى سيرتك وشخصيتك ومواقفك وقارن بينها وبين سيرة الأئمة، هل تجد أن شخصيتك تلتقي مع سيرة الأئمة، أو أنها مباينة لسيرة الأئمة عليهم أفضل الصلاة والسلام؟

قد نختلف في تحديد الموقف العملي المتكامل الواضح لأئمتنا من حكام الجور .. فيميل إنسان إلى طرف، ويميل إنسان آخر إلى طرف، شخص يفهم من سيرتهم شيئا معينا وفكرة معينة، وشخص آخر يفهم من سيرتهم شيئا آخر، إلا أن هناك حقائق و ثوابت لا مجال للاجتهاد فيها، ولا للاختلاف النظري فيها؛ لأنها تمثل ثوابت في سيرة أئمتنا عليهم أفضل الصلاة والسلام. وأي باحث منصف ومجرد يستطيع أن يلمس هذه الثوابت بوضوح من سيرة الأئمة،، هذه الثوابت لا مجل للنقاش والاختلاف فيها.

هذه الثوابت هي:

الثابت الأول: أنهم صلوات الله وسلامه عليهم قاموا بتعرية الظالمين وعرفوهم للأمة على أنهم غاصبون للمواقع التي وصلوا إليها، ولا يمثلون شرعية، وهم يسيرون في الخط المباين لخط السماء، خط الجبت والطاغوت.

فلا مجال لإنسان أن يجتهد ويقول أن الأئمة أقروا بتلك السلطات الجائرة، وبالموقعية التي وصل إليها خلفاء، ووصل إليها حكام الجور، أنهم أقروهم وأمضوا ما هم عليه، وتعاملوا معهم، هذا ظلم وتحريف للدين. فالأئمة عرّوا الظالمين، ولا يرونهم يمثلون شرعية، وعرفوهم للأمة أنهم غاصبون للمواقع التي هم فيها.

الثابت الثاني: أن الأئمة عليهم أفضل الصلاة والسلام، وإن فرضت عليهم الظروف القاسية أن يمارسوا دور التقية، إلا أنه من الواضح في سيرتهم عليهم أفضل الصلاة والسلام وهم يمارسون دور التقية كأسلوب، إلا أنهم لم يحسبوا على ظالم ولا جائر. ليس عندنا في التأريخ، بل لا مجال أن يتوهم إنسان أن الصادق صلوات الله و سلامه عليه كان من أتباع المنصور، أو أن الإمام الكاظم عليهم أفضل الصلاة والسلام صار محسوبا ومن رجالات الرشيد، أو أن الإمام الرضا عليه أفضل الصلاة والسلام كان محسوبا على المأمون.

وأنتم تعلمون المخطط الذي قام به المأمون من أجل جرّ الإمام حتى يحسب عليه، ويكون تحت مظلته، لكي يستفيد ويعطى الشرعية من قبل الإمام صلوات الله وسلامه عليه، لكن الإمام أبى ذلك، والتفت إلى هذا المخطط وأفضله من أجل ألا يعطيه ذلك، ولكي لا يتوهم متوهم أن الإمام الرضا أصبح – والعياذ بالله – من حاشية المأمون ومن رجالاته ومن المحسوبين عليه، هذا ظلم للحقيقة أن نصور الأئمة على أنهم كانوا مهادنين ومحسوبين ومن رجالا السلطة.

الثابت الثالث: والذي أيضا باعتقادي أنه واضح من سيرة أئمتنا ولا يقبل الاجتهاد، أنهم صلوات الله وسلامه عليهم، قاموا بتثقيف الأمة على مقاطعة الظالمين وقطع الاتصال معهم، إلا في حالات تعبر عن استثناء، ولأشخاص معينين،مع حالة من الرقابة التي كان يمارسها الإمام عليهم.

فالاستثناء لم يكن استثناء مطلقا، والقاعدة الأولية التي بناها الأئمة على أساس المقاطعة كما سنقرأ في الروايات الواردة عنهم. وإنما أجازوا الاتصال بالظالمين والدخول في حكومتهم في حالات استثنائية لأشخاص بصفات محدد، مع رقابة ومتابعة من الإمام صلوات الله وسلامه عليه، وإلا فالقاعدة هي تثقيف الأمة على المقاطعة، وعلى عدم الاتصال بالظالمين.

الثابت الرابع: أن الأئمة عليهم أفضل الصلاة والسلام عملوا على أن يكون للتشيع كيانا مستقلا لا يرتبط بالظالم ولا يخضع له، وهو مستقل في ثقافته وفكره، بل حتى في موارده الاقتصادية، وما ترونه من استقلال للطائفة في فكرها وثقافتها – ونسأل الله أن تبقى هذه الاستقلالية للطائفة – إنما هو نتيجة تربية الأئمة عليهم أفضل الصلاة والسلام.
وتجلى موقف الأئمة الرافض لحكام الجور في عدّة أمور:

الأمر الأول: أن الأئمة عليهم أفضل الصلاة والسلام حرّموا التعاون معهم، وأن يكون الإنسان من أعوان الظلمة.

والروايات الواردة تحمل مضامين مدهشة وقوية في هذا المجال.

اقرأ عليكم بعضا من تلك الروايات، والحمد لله أن الروايات معتبرة وأسانيدها صحيحة،لا أقل في كثير منها:

مثلا في هذه الصحيحة عن الإمام السجاد عليه أفضل الصلاة والسلام قال: إياكم وصحبة العاصين ومعونة الظالمين.

وفي رواية صحيحة أخرى: يقول سألت أبا جعفر الباقر عليه السلام عن أعمالهم، ( يعني عن أعمال الظلمة، يعني أن أكون عاملا لهم، أن أدخل معهم في أعمالهم، أن ألِيَ شيئا من المواقع من أجل أن أعمل فيها) فقال: يا أبا محمد،لا.. ولا مَدّة قلم، وإنّ أحدكم لا يصيبُ من دنياهم شيئا إلا أصابُوا من دينهِ مثلَه.

وفي صحيحة أخرى، يقول الراوي: قال لي الإمام أبو عبد الله الصادق: لا تُعِنهُم على بناء مسجد. ( مع أنه مكان للعبادة، ومكان للخضوع والابتهال إلى الله سبحانه وتعالى ).

وفي رواية أخرى، أيضا معتبرة، عن الإمام الصادق عليه أفضل الصلاة والسلام عن آبائه، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ أين الظلمة وأعوان الظلمة ومن لاقَ لهم دواة أو ربط لهم كيساً، أو مدّ لهم مدة قلم، فاحشروهم معهم.

ومع الأسف أصبحنا في زمان نُسيت فيه هذه القيم، وهذه المبادئ، وأصبح الكثير منا يلهث وراء الدنيا، لا يهمه أصاب منها من حلال، أو أصاب منها من حرام.

أيضا هذه الرواية، وهي أيضا معتبرة، سمعت أبو عبد الله ( الصادق ) يقول: من أعان ظالماً على مظلوم لم يزل الله عليه ساخطاً حتى ينزع من معونته. ( ومفهوم الإعانة واضح، أن يكون الإنسان محشورا مع الظالم، وأن يكون في خدمته، ويأتمر بأوامره، وأن يساعده على دولته وعلى حكمه ).

وأيضا نقرأ هذه الرواية: العامل بالظلم، والمعين له، والراضي به، شركاء ثلاثتهم.

ونقرأ هذه الرواية: ( يأتي الراوي ويسمع من الإمام ) قال أبو عبد الله الصادق عليه أفضل الصلاة والسلام: يا عَذافِرْ، نُبّئتُ أنك تعامل أبا أيوب والربيع ( كانا محسوبان على الحكومات الجائرة )، فما حالك إذا نُودِي بك في أعوان الظلمة؟ ( لا حظوا أولياء الله، لاحظوا الناس المتدينين، لا يعطي لنفسه ألف تبرير وتبرير، من أجل أن يبقى على الوضع الذي هو فيه، ومن أجل أن ينال من هذه الدنيا، حينما سمع تحذير الإمام ).

يقول ( الراوي ) فوَجَمَ أبي ( أي عذافر )، فقال له أبو عبد الله عليه السلام لمّا رأى ما أصابه، أي عذافر، إنما خوّفتك لما خوفني الله عز وجل. قال محمد ( ابن عذافر ): فقَدم أبي فما زال مغموما مكروبا حتى مات.

وهذا يذكرني بهمّام عندما وصف له الإمام حال المتقين وشؤونهم، وبعد أن أتم الإمام الخطبة، لم يتحمل همام الوصف حتى صعق صعقة ومات. ( هنا لاحظوا الموعظة ماذا تعمل إذا وجدت الوعاء الصافي ).

الأمر الثاني: تثقيف الأمة على عدم الاتصال بهم ( حكام الجور ).

ونقرأ في هذا المجال: عن علي بن أبي حمزة، يقول: كان لي صديق من كتاب بني أمية، فقال لي: استأذن لي على أبي عبد الله، فاستأذنت له، فلما أن دخل سلم وجلس، ثم قال: جعلت فداك، إني كنت في ديوان هؤلاء القوم، فأصبت من دنياهم مالا كثيرا، وأغمضت في مطالبه ( لم أكترث في كونه حلالا أم حراما ). فقال أبو عبد الله عليه أفضل الصلاة والسلام ( وفي هذا الحديث لوم وعتاب للأمة والمجتمع أنهم هم السبب في تقوية الظالمين، باتصالهم بالظلمة وتعاونهم معهم وارتباطهم بهم، هم من كوّنوا و قووا شوكة الظالمين وأوصلوهم إلى المراكز الذين هم فيها ).

فقال الإمام الصادق: لولا أن بني أمية وجدوا لهم من يكتب ويجبي لهم الفيء، ويقاتل عنهم، ويشهد جماعتهم، ( يشهد جماعتهم بأن يصلي معهم، أو يذهب إلى مجالسهم ) لما سلبونا حقنا، ولو تركهم الناس وما في أيديهم، ما وجدوا شيئا إلا ما وقع في أيديهم.

تخاذل الأمة وتساهلها، وعدم الاكتراث بالتعاليم الواردة عن الدين في كيفية التعامل مع الظلمة. هذا التساهل والتسامح هو الذي يقوي من شوكة الظالمين، وكلما ازدادت الأمة تهاونا وتسامحا ازداد الظالمون قوة وشوكة.

وأيضا هذه الرواية، وهي معتبرة سندا: يقول كنت عند أبي عبد الله عليه السلام، فدخل عليه رجل من أصحابنا فقال له: جعلت فداك، إنه ربما أصاب الرجل منا الضيق والشدة، فيدعى إلى البناء يبنيه، أو إلى النهر يكريه، أو إلى المسنّاة يصلحها، فما تقول في ذلك؟ فقال أبو عبد الله عليه أفضل الصلاة والسلام: ما أحبّ أني عقت لهم عقدة، أو وَكَيتُ لهم وكاء، لا ولا مدة قلم. إن أعوان الظلمة يوم القيامة في سرادق من نار حتى يحكم الله بين العباد.

إذا يا أخوة، اتضح من خلال هذه الأحاديث كيف أن الأئمة صلوات الله وسلامه عليهم ثقفوا الأمة و آحاد الأمة على رفض الظالمين، وعلى قطع الاتصال معهم، ورأيتم كيف أن الروايات شددت على هذا المعنى.

نعم هناك حالات استثنائية أجاز الأئمة عليهم أفضل الصلاة والسلام لبعض رجالات الشيعة أن يتصلوا بحكام الجور، وأن يدخلوا في حكوماتهم وأعمالهم، ولكن تبقى حالات استثنائية، و للأسف الشديد أن هناك الكثير من حولها إلى أصل. وأسيء فهمها، وهناك تعمد في إساءة الفهم.

أولا: هي حالات استثنائية، وثانيا: هي لأشخاص معدودين وبمواصفات معينة، وثالثا: مع تشديد، فيفترض أن الدخول يكون من أجل نفع المؤمنين ودفع الضرر والظلم عنهم، وحتى يكون المؤمنون في مأمن من الظالمين، لا لمغانم دنيوية.

وأبرز مصداق في ذلك أيها الأخوة، هي حالة الوزير علي بن يقطين، الذي هو من أعاظم رجالات الشيعة، وقد جوّز له الإمام أن يدخل في حكم هؤلاء، وأن يكون لهم وزيرا، لكن مع تشديد ومراقبة من الإمام، والتاريخ ينقل لنا ( لاحظوا يا أخوة، مع الأسف أن القضايا كيف أصبحت سائبة، هؤلاء الذين يعطون لأنفسهم الحق في أن يدرجوا أنفسهم في سلك أمثال علي بن يقطين، وما شابه ذلك، في الحقيقة إنما هم يكابرون ) أن عليا بن يقطين طلب الإذن في الدخول على الإمام، لكن الإمام رفض رفضا قاطعا، وما قبل أن يأذن له، استغرب علي بن يقطين وحاول أن يعرف السبب، وبعد مدة استطاع أن يصل إلى الإمام ويسأله عن السبب، فأجابه الإمام أن السبب في رفضه وعدم السماح له بالدخول، أن بعضا من موالينا وشيعتنا جاءك لقضاء حاجة فأعرضت عنه.

فخرج وسافر يبحث عن ذلك الشخص حتى وجده، فطرق الباب وقال له: أنني جئت أعتذر منك لأن الإمام قد رفض مقابلتي نتيجة للموقف الذي مارسته معك. قال له الرجل: قد عفوت عنك. فقال علي بن يقطين: كلا، حتى تضع رجلك على خدي. فقال الرجل: لا أفعل. فقال بن يقطين: لا بد أن تفعل، حتى يرضى عني الإمام سلام الله عليه، وأصر عليه حتى فعل. فهل نحن على استطاعة واستعداد بأن نقوم بهذا العمل، ممن يريد أن يجعل نفسه شبيها بهؤلاء الرجال والعظام.

والقضية لا تقبل الدخول في مساومات وقضايا مادية ومصالح؛ فهذه قضايا دين ومبادئ وقيم، و المبادئ الدينية هي التي تحفظ سواء كان الإنسان وزيرا لهارون الرشيد، أو كان فقيرا يعيش في كوخ.

فمبادئ الدين هي التي تبقى، ولا يجوز أن يتم التنازل عن تلك المبادئ.

- صحيح علي بن يقطين، قال لي أبو الحسن موسى بن جعفر عليه أفضل الصلاة والسلام: إن لله تبارك وتعالى مع السلطان أولياء يدفع بهم عن أوليائه. ( وظيفتهم هي خدمة مصالح المؤمنين ).

- قال لي أبو الحسن الرضا عليه السلام: إن لله تعالى بأبواب الظالمين من نوّر الله له البرهان، ومكن له في البلاد؛ ليدفع بهم عن أوليائهم، ويصلح أمور المسلمين إليهم، ملجأ المؤمن من الضر، وإليه يفزع ذو الحاجة من شيعتنا، وبهم يؤمّن الله روعة المؤمن في دار الظلمة، أولئك المؤمنون حقا.. أولئك أمناء الله في أرضه.

نعم، لا بأس أن يكون في المجتمع رجالات هكذا، وعلى وفق هذه الشروط. ولكن أين تجد هؤلاء؟

وأختم حديثي بهذا الأمر، أن الوجه الآخر- وللأسف الشديد - من حياة أئمتنا وسيرتهم مع الطغاة والظلمة مغفول عنه. والذي يطرح ويدفع، وتثقف به الأمة، هو في الحقيقة وجهٌ فاتِن، ووجه يبرز الإمام على أنه لا حول له ولا قوة، وعل أنه إمام مهادن، وعلى أنه إمام مسالم، وعلى أنه إمام خائف، وعلى أنه إمام يكون بخدمة السلطان، في كل شهر مرة مثلا.

ولا تبرز، مثلاً، شخصية الإمام الصادق عليه أفضل الصلاة والسلام على أساس الوجه الآخر، ذلك الموقف حينما قال له المنصور: ما لك لا تغشانا؟ فقال له (ع): لست في مصيبة فنعزيك، ( ولا تملك من أمر الآخرة شيئا حتى نأتي ونأخذه منك ). قال: تغشانا كما يغشانا الناس لتنصحنا. قال له الإمام ( وهذا هو الموقف اللائق بالأئمة (ع) ): من أراد الدنيا لا ينصحك، ومن أراد الآخرة لا يصحبك.

هذا الموقف أيها الأخوة ينبغي أن يسلط عليه الضوء كثيرا.

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله الطاهرين.
الأسئلة والمداخلات

س: هل ينطبق على مجلس الشورى في البحرين أنه من أعوان الظلمة؟

العلامة المقداد: ابتسم و صمت قليلا، ثم قال: وصل الجواب.

س: ماذا نقول في أداء البرلمان، والذي هو صفر، ألا ينبغي عليهم الخروج منه؟ وهل الدخول في المجلسين هو إعانة للظلمة أم إعانة للشعب؟

العلامة المقداد: أعتقد أن الجواب على الشق الأول من السؤال كثيرا ما تم التعرض له، وأنا شخصيا تكلمت فيه كثيرا، وإيجازا أقول: في اعتقادي، إن رجحنا كفة المشاركة، إلا أن المشاركة بهذه الكيفية كان خطأ فادحا. أما فيما يرتبط بالشق الثاني، أعتقد أنه يحتاج إلى كلام كثير ( وكان الشيخ على ارتباط بفعالية أخرى )، ولا يمكن أن نعطي جوابا مطلقا، لأنه يرتبط بنوعية الأشخاص، ونوعية الأداء، ويرتبط بالنوايا، وبالنتائج على الأرض، وبأمور كثيرة، ينبغي أن يتم الحديث عنها كلا على حدة.

س: هل العمل في سلك وزارتي الداخلية والدفاع يعد معونة للظالم، فضلا عن العمل في مختلف مؤسسات وهيئات الحكومة؟

العلامة المقداد: بحسب فتاوى الفقهاء، وبحسب العنوان الأولي أنه غير جائز. ولكن من جو ر الزمان علينا أننا جماعة غير منظمة ومرتبة، وإلا فإن هذا الموضوع شائك. فمثلا، ترى الفتاوى الفقهية أن هذا الأمر يعد محرما، لكننا من جهة أخرى نطالب بأن يعمل أبناؤنا، لأن هناك تمييز في التوظيف وما شابه ذلك. فلا بد أن نعطي تصورا واضحا في كيفية التعاطي مع هاتين الوزارتين، وعموما التعاطي مع بعض الوزارات التي هي من هذا القبيل. وهو ما يحتاج إلى حوار هو مفقود، ويبدو أننا جماعة نسيرة على بركة الله سبحانه وتعالى، ونفتقر إلى التخطيط. وإذا ابتلينا بمشكلة، هبّ كل منا على حدة من أجل أن يوجد لها مخرجا. فلا يوجد عندنا تصور متكامل للقضايا.

س: من يحدد في زماننا هذا حالات الاستثناء؟

العلامة المقداد: هناك ضوابط خارجية، وداخلية تحكم الإنسان في داخله، وهي أقوى الضوابط. يقول تعالى: ( بل الإنسان على نفسه بصيرة ). هذا ضابط لا يحتمل أن يغش الإنسان، أو أن يحرف عليه الاتجاه والبوصلة، مهما حاول أن يغطي، أو أن يبرر يبقى هو أعلم بالحال.

أما الضابط الخارجي، فهو الرجوع إلى قيم الدين و أحكام الشريعة، وتشخيص رجالات البلد الموثوقين، من دون تجاهل ضوابط الدين وقيمه.

س: من يمتلك الغطاء الشرعي في الشؤون العامة للناس وما هي شروطه؟

العلامة المقداد: من يمتلك الغطاء الشرعي هو صاحب الشرعية، وصاحب الشرعية هو من يتصل بالشرع، ويتصل بالمرجعية. والموضوع شائك، وكان لي فيه كلمات، ولا يمكن أن أعطي تصورا واضحا في هذه العجالة.

ولكن لا أرى صحيحا، أن جهة ما تعطي لنفسها الشرعية وتسلبها من الآخرين.

العلامة المقداد جوابا على مداخلة أحد الحضور:

إذا كان الدخول بحسب معطيات معينة .. ماذا بعد أن تغيرت تلك المعطيات؟بعد أن دخلنا ووجدنا أن الأبواب مؤصدة، وأعتقد أنه لا يمكن أن يستوجب الوزير المعني، فهناك موازنات وحسابات وغيرها.. فإننا نحتاج إلى رأي الدين في الاستمرار، إن كان دخولنا مستند إلى رأي الدين.

وأكرر دائما - لو تجاوزنا وقلنا أن المصلحة في المشاركة - ألا نخدع أنفسنا ونقول أن الطريقة التي شاركنا بها هي الطريقة الصحيحة. أنا لا أشك بأن المشاركة بهذه الطريقة لم تكن صحيحة؛ لأنها كانت طريقة تعتمد على النظرة الأحادية، ولم يتم التشاور فيها، وهي قد خلفت الكثير من رفاق الدرب الذين تحتاجهم ويكونون لك عونا في مسيرتك.

والمشاركة التي خلفت وراءها شارعا وقوة ضاربة وانفصلت عنها، هذا النحو من المشاركة كان خاطئا.

ونحتاج الآن إلى إعادة قراءة الأوراق، كما نحتاج إلى دراسة مواقف جديدة.

السبت، 15 مارس 2008

المقاومة السلمية في فقه وسلوك الأئمة عليهم السلام

المقاومة السلمية في فقه وسلوك الأئمة عليهم السلام



الفعالية:ندوة ( المقاومة السلمية في فقه وسلوك الأئمة عليهم السلام ).


المكان: مجلس الكرامة الأسبوعي – منزل الدكتور عبد الجليل السنكيس بكرباباد


.الزمان: ليلة السبت الساعة الثامنة والنصف مساء – الموافق 14/3/2008م.


استضاف مجلس الكرامة الأسبوعي ليلة السبت الموافق 14/3/2008م، بمنزل الدكتور عبد الجليل السنكيس سماحة العلامة الشيخ عبد الجليل المقداد في ندوة تحت عنوان ( المقاومة السلمية في فقه وسلوك الأئمة عليهم السلام ).


في بداية كلمته، تحدث العلامة المقداد عن وجود تهافت ظاهر قد يفهم في سيرة ومواقف الأئمة (ع) كما هو الحاصل في سيرة وموقف الإمامين الحسن والحسين (ع).



وألمح سماحته إلى عدة صعوبات تعترض الباحث في صدد تحليل سيرة ومواقف الأئمة (ع)، من تلك الصعوبات:
- أن عملية البحث في سيرتهم (ع) ينبغي أن تكون من أجل تحديد موقف عملي يكون للباحث عذرا ( وبراءة للذمة ) أمام الله جل وعلا.- أن البحث يتعلق بالغير، والغير هنا هو إمام معصوم؛ ما يستدعي أخذ الحيطة والحذر.- أن القضية تتصل بالدين، وأي تحريف فيها هو تحريف للدين وقيمه.- وتبعا لذلك، على الباحث أن يتجرد من كل شيء؛ من سوابقه، ومصالحه، ورغباته خلال عملية البحث.
ورأى العلامة المقداد أن هناك من يحاول" إسقاط سيرة أهل البيت (ع) عل سلوكه، الأمر الذي يعتبر ظلما للحقيقة، والمفترض بالإنسان أن يعرض مواقفه على قيم الدين وتعاليمه".
كما أشار سماحته إلى طبيعة حصول اختلاف في تحديد الموقف العملي للأئمة (ع) من حكام الجور.
واستعرض سماحة العلامة المقداد عددا من الثوابت في سيرة الأئمة عليهم السلام، " ولا يمكن الاختلاف عليها ":
من تلك الثوابت:



- الثابت الأول: أن الأئمة (ع) قاموا بتعرية الظالمين، وعرفوهم على أنهم غاصبون للسلطة، ولا يمتلكون شرعية، وأن خط حكام الجور هو خط مباين لخط السماء.


- الثابت الثاني: أن الأئمة (ع) - وإن فرضت عليهم الظروف القاسية ممارسة دور التقية - لكنهم لم يحابوا أو يجاروا ظالما ولا جائر


- الثابت الثالث: أن الأئمة (ع) قاموا بتثقيف الأمة على مقاطعة الظالمين وقطع الاتصال بهم، إلا في حالات الاستثناء، ولأشخاص معينين، مع الرقابة عليهم من جانب الإمام (ع).
ونوّه سماحة العلامة المقداد إلى عدد من مظاهر لمواقف من سيرة وأحاديث الأئمة (ع) في ذات الشأن تجلت في:
- أن الأئمة حرموا التعاون معهم وأن يكون الإنسان من أعوان الظلمة.- قام الأئمة (ع) بتثقيف الأمة إلى عدم الاتصال بإحكام الجور.
وشدد الشيخ المقداد على أن التساهل والتسامح في هذا الأمر هو الذي يقوي من شوكة الظالمين.
وناقش سماحة العلامة المقداد الحالات الاستثنائية التي أجاز فيها الأئمة (ع) الاتصال بحكام الجور والدخول في حكوماتهم وأعمالهم، ولكن سماحته أكد على أن تلك الحالات تبقى استثنائية. ومن تلك الحالات هي حالة علي بن يقطين.
وأكد العلامة المقداد على أن الدخول والعمل مع الظالمين ينبغي أن يكون لنفع المؤمنين ودفع الضرر عنهم، وليس لمغانم ومصالح دنيوية، مشددا التأكيد على أن المبادئ هي التي ينبغي أن تحفظ وتراعى أنّى كان موقع الإنسان

قيام الأئمة بالتغيير


قيام الأئمة بالتغيير


الموضوع : كلمة أعبد الوهاب حسين .
المناسبة : برنامج ثقافي .
المكان : ديوانية الكرامة للدكتور عبد الجليل السنكيس / كرباباد .
التاريخ : 28 / صفر / 1429هج .
الموافق : 7 / مارس ـ آذار / 2008م .

أعوذ بالله السميع العليم ، من شر نفسي الأمارة بالسوء ، ومن شر الشيطان الرجيم .
بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله رب العالمين .
اللهم صل على محمد وآل محمد ، وارحمنا بمحمد وآل محمد ، وأهدي قلوبنا بمحمد وآل محمد ، وعرف بيننا وبين محمد وآل محمد ، واجمع بيننا وبين محمد وآل محمد ، ولا تفرق بيننا وبين محمد وآل محمد في الدنيا والآخرة طرفة عين أبدا يا كريم .
اللهم معهم .. معهم لا مع أعدائهم .
السلام عليكم أيها الأحبة : أيها الأخوة والأخوات في الله ورحمة الله تعالى وبركاته .

وقع على أهل البيت ( عليهم السلام ) ظلم عظيم من بعض شيعتهم ، حيث قالوا عنهم : بأنهم تعايشوا مع الظلم وسايروا الظالمين ، وذلك في سبيل تبرير منهج القبول بالأمر الواقع والمسايرة للظالمين ، بدلا من الرفض والمقاومة والتضحية والفداء في سبيل الله عز وجل والتغيير والإصلاح .

وعنوان كلمتي في هذه الليلة : ( قيام الأئمة بالتغيير ) وهي محاولة متواضعة للمساهمة في رفع هذا الظلم عن أهل البيت ( عليهم السلام ) وسوف أجعلها على ثلاثة محاور ، أتحدث فيها باختصار شديد ، ثم اترك الباب مفتوحا للحوار ، وذلك بحسب رغبة منظم هذا اللقاء : جناب الدكتور عبد الجليل السنكيس .

المحور الأول ـ صفة أهل البيت ( عليهم السلام ) ودورهم : وفيه نقاط عديدة :
النقطة ( 1 ) : تضافرت النصوص الشريفة في القرآن الكريم وأحاديث أهل البيت ( عليهم السلام ) بالنهي عن الركون إلى الظالمين .
قال الله تعالى : { وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ } ( هود : 113 ) .
وقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : " العامل بالظلم ، والمعين عليه ، والراضي به ، شركاء ثلاثة " ( البحار . ج75 . ص312 ) .
كما تضافرت النصوص في مدح المقاومين للظلم .
قال الله تعالى : { وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ } ( الشورى : 39 ) .
وقال عيسى بن مريم ( عليه السلام ) : " بحق أقول لكم : إن الحريق ليقع في البيت الواحد فلا يزال ينتقل من بيت إلى بيت حتى تحترق بيوت كثيرة ، إلا أن يستدرك البيت الأول فيهدم من قواعده فلا تجد النار محلا . وكذلك الظالم الأول لو أخذ على يديه لم يوجد من بعده إمام ظالم فيأتمون به ، كما لو لم تجد النار في البيت الأول خشبا وألواحا لم تحرق شيئا " ( البحار . ج14 . ص308 ) .
وقد وُصف أهل البيت ( عليهم السلام ) بالصدق في القرآن الكريم .
قال الله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ } ( التوبة : 119 ) .
المعية : تعني الإتباع ، وهي تختلف عن الاتصاف بصفاتهم ، الذي هو الكون منهم لا الكون معهم ، والفرق ظاهر بين الحالتين . ومن الواضح : أن أتباع الصادقين يؤدي إلى اتصاف الأتباع بالصدق ، إلا أن الآية الشريفة المباركة تدل : على أن تحصيل النجاة لا يكون إلى بإتباع أئمة الحق بعد الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الذين يتحلون بصفة الصدق بصورة مطلقة ، وهم الأئمة من أهل البيت ( عليهم السلام ) الذين أذهب الله تعالى عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا .
والصدق بمعناه الواسع يتضمن ثلاث أنواع رئيسية ، وهي :
النوع الأول ـ الصدق في الخبر : وفيه يكون الإنسان صدقا إذا طابق خبره الواقع .
النوع الثاني ـ الصدق في العقيدة : وفيه يكون الإنسان صادقا في حالتين ، وهما :
الحالة ( 1 ) : إذا كان الإنسان متجردا للحقيقة وباحثا عنها بجد ومثابرة وإخلاص ، وباذلا كل ما لديه من الوسع والطاقة من أجل تحصيلها ، وكانت عقيدته صحيحة ( أي مطابقة للواقع ) وهذا يحتاج إلى أن يكون الإنسان ناقدا وبعيدا عن التبرير ومقاوما لكل عوامل التأثير السلبي في التفكير والبحث عن الحقيقة .
الحالة ( 2 ) : إذا عمل بمقتضى ما يعتقد بعيدا عن النفاق والرياء والسمعة ، فتكون أقواله وأفعاله ترجمة دقيقة لأفكاره وعقيدته ، وتتسم أقواله وأفعاله ومواقفه بالصراحة والوضوح بعيدة عن الغدر والمراوغة والخداع والتبرير وغيرها .
النوع الثالث ـ الصدق في العزم والإرادة : وفيه يكون الإنسان صادقا إذا أتى بما يريده ويعزم عليه على نحو الجد ، ويبذل فيه أقصى ما لديه من الوسع والطاقة .
والإطلاق في المعية ولفظ الصادقين : يدل على عصمتهم ( عليهم السلام ) وتنزههم عن التعايش مع الظلم ومسايرة الظالمين ، لاسيما إذا أخذنا النصوص القرآنية والنصوص الصادرة عنهم بعين الاعتبار .

النقطة ( 2 ) : أن الأئمة من أهل البيت ( عليهم السلام ) أئمة هدى ، يقومون بوظيفة الدعوة إلى الله عز وجل وتطبيق شريعته ، ومن الأهداف الرئيسية للرسالة السماوية إقامة العدل بين الناس .
قال الله تعالى : { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ } ( الحديد : 25 ) .
ومن الواضح : أن القبول بالأمر الواقع والتعايش مع الظلم ومسايرة الظالمين فيه تعطيل لهذه التكليف الإلهي العظيم .

النقطة ( 3 ) : يحتج الزاعمون لتعايش أهل البيت ( عليه السلام ) مع الظلم ومسايرة الظالمين بصلح الإمام الحسن ( عليه السلام ) وعدم ثورة أي من الأئمة ( عليهم السلام ) ضد الحكومات الجائرة ماعدا الإمام الحسين ( عليه السلام ) ويتوصلون إلى نتيجة خطيرة مفادها : أن التعايش مع الظلم ومسايرة الظالمين هو الأصل في سيرة أهل البيت ( عليهم السلام ) والثورة استثناء . وأنا أعتقد أن في هذا القول مغالطة كبرى وظلم عظيم لأهل البيت ( عليهم السلام ) والدليل على ذلك ما يلي :
أولا : العقل والنص يحكمان بأن أفعال أهل البيت ( عليهم السلام ) وسلوكهم ومواقفهم العامة في الحياة واحدة كأقوالهم لا تختلف أبدا ، لأنها من نور واحد . والتعارض بين صلح الإمام الحسن وثورة الإمام الحسين ( عليهما السلام ) يُحل بالنظر إلى الظروف الموضوعية لكل منهما ، ولا يصح تبرير الصلح أو الثورة في نفسهما بغض النظر عن الظروف الموضوعية المحيطة بكل منهما .
ثانيا ـ أن الأئمة من أهل البيت ( عليهم السلام ) قد أولوا عناية خاصة لثورة الإمام الحسين ( عليه السلام ) وشهادته ( وهذا في غاية الوضوح ) مما يدلل على أهميتها الاستثنائية في سيرتهم ( عليهم السلام ) ومحاولة منهم لتكريس الرفض للظلم والثورة على الظالمين والمستكبرين لدى المؤمنين .
ثالثا ـ أن مقاومة الظلم والثورة على الظالمين هي الأصل بحكم الفطرة والعقل ونصوص القرآن وأحاديث أهل البيت ( عليهم السلام ) وقد تقدم بعضها ، وهما السبيل لتحقيق غايات السماء والعزة والكرامة للإنسان ، والأمن والرخاء والتقدم والازدهار في المجتمعات الإنسانية . وأن الركون إلى الظالمين ومسايرتهم هو خلاف الفطرة وخلاف سيرة العقلاء والنصوص الدينية القطعية الصدور والدلالة .
رابعا ـ أن قضية الإمام الحجة ( عجل الله تعالى فرجه الشريف ) التي هي عصارة الرسالات السماوية وغايتها ، وهدفها إقامة دولة العدل الإلهي العالمية على أنقاض دول الظلم والجور في العالم ، تعني بما لا يدع مجالا للشك : أن الأصل في سيرة الأنبياء والأوصياء ( عليهم السلام ) هو مقاومة الظلم والثورة على أئمة الظلم والجور ، وليس القبول بالأمر الواقع والتعايش مع الظلم ومسايرة الظالمين والمستكبرين في الأرض .
قال الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : " لا تقوم الساعة حتى تملأ الأرض ظلما وعدوانا ، ثم يخرج من عترتي من يملأها قسطا وعدلا " ( ينابيع المودة . ص 433 ) .

المحور الثاني ـ انجازات أهل البيت ( عليهم السلام ) وسيرتهم : وفيه نقاط عديدة :
النقطة ( 1 ) : لقد أنجز أهل البيت ( عليهم السلام ) أهدافا عظيمة في حياتهم لا اختلاف عليها لشدة وضوحها ولأنها تلمس بالحس والوجدان ، منها :
الهدف ( 1 ) : خلق الكيان العظيم للشيعة ، وكان على عهدهم ولا يزال كيانا متناميا عابرا للحدود ، وكان ذلك في ظل الإرهاب الشديد للدولة ضد الشيعة .
الهدف ( 2 ) : التبليغ بالرؤية الفكرية والتشريعية الكاملة لمدرسة أهل البيت ( عليهم السلام ) وكان يصاحب هذا التبليغ نقض الأطروحات المقابلة ، وكان ذلك أيضا في ظل الإرهاب الشديد للدولة ضد الشيعة .
الهدف ( 3 ) : تنظيم الحالة القيادية للشيعة وتوضيح صلاحياتها في ظل الغيبة .

ولا شك فإن تحقيق هذه الأهداف العظيمة : لا يتأتى إلا بالرفض والمقاومة وتقديم التضحيات الجسيمة ، وليس القبول بالأمر الواقع والتعايش مع الظلم ومسايرة الظالمين والركون إليهم .

النقطة ( 2 ) : لنأخذ بعضا من سيرة أهل البيت ( عليهم السلام ) ولنبدأ من عهد الإمام الصادق ( عليه السلام ) فقد أعتقد بعض المؤرخين : بأن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قد استفاد من انشغال الأمويين والعباسيين بالصراع بينهما عن أهل البيت ( عليهم السلام ) وقام بنشر علوم أهل البيت ( عليهم السلام ) وقد تجنب الدخول في السياسية من أجل المحافظة على هذا الدور العظيم . ولكنا إذا نظرنا إلى حال الإمام من بعده ، فإننا نستطيع أن نستنتج خطأ التصور السابق . فالإمام من بعده هو الإمام الكاظم ( عليه السلام ) ونحن نعلم بأنه قضى معظم حياته ( الشطر الخير منها ) في السجن ، فلم يخرج من السجن إلا إلى قبره الشريف . فإذا كان الإمام الصادق ( عليه السلام ) قد اشتغل بنشر العلوم ولم يتدخل في السياسة ، ثم يقضي الإمام من بعده معظم حياته في السجن ، فإن النتيجة الطبيعية لذلك : هو تفكك كيان الشيعة وضعف شوكتهم . إلا أن النتيجة كانت على خلاف ذلك : فقد اتفق المؤرخون على أن المأمون قد أعطى ولاية العهد للإمام الرضا ( عليه السلام ) وفسروا ذلك برغبة المأمون في كسب ود الشيعة لما يمثلونه من قوة عظيمة في الدولة الإسلامية ، وهذه النتيجة لا تتوافق مع القول بعدم اشتغال الإمام الصادق ( عليه السلام ) بالسياسة ، والحقيقة : أن الإمام الصادق ( عليه السلام ) كان إلى جانب اشتغاله بنشر علوم أهل البيت ( عليهم السلام ) منكبا على تنظيم صفوف الشيعة ، وقد نجح في ذلك إلى الدرجة التي استطاع فيها الشيعة المحافظة على وجودهم وقوتهم والاستمرار في حمل رسالتهم رغم إرهاب الدولة الشديد ، ووجود إمامهم في داخل السجن .

ويؤكد صحة هذا الاستنتاج : حال الأئمة بعد الإمام الرضا ، وهم : الإمام الجواد والإمام الهادي والإمام العسكري ( عليهم السلام ) فقد فرضت عليهم الإقامة الجبرية ووضعوا تحت الرقابة الدقيقة للسلطة ، ولكنهم مع ذلك نجحوا في تهيئة الأرضية الصالحة لغيبة الإمام المهدي ( عجل الله تعالى فرجه الشريف ) وتسليم القيادة في الغيبة الصغرى للسفراء الأربعة ( النيابة الخاصة ) وفي الغيبة الكبرى للفقهاء العدول ( النيابة العامة ) وهذا يدل على الرفض والمقاومة وتقديم التضحيات الجسيمة ، وليس القبول بالأمر الواقع والتعايش مع الظلم والمسايرة للظالمين والركون إليهم .

النقطة ( 3 ) : أن جميع الأئمة من أهل البيت ( عليهم السلام ) قد مضوا من هذه الحياة إلى الله عز وجل شهداء مظلومين " ما منا إلا مقتول أو مسموم " وليس هذا إلا لشعور أئمة الظلم والجور بخطر الأئمة ( عليهم السلام ) على عروشهم . وهذا يدل على الرفض والمقاومة وتقديم التضحيات الجسيمة ، وليس القبول بالأمر الواقع والتعايش مع الظلم والمسايرة للظالمين والركون إليهم .

المحور الثالث ـ المعارضة والإصلاح في عهد أهل البيت ( عليهم السلام ) : نستطيع تقسيم حركات المعارضة والتغيير والإصلاح على عهد أهل البيت ( عليهم السلام ) بصورة إجمالية إلى أربعة أقسام ، وهي :
القسم ( 1 ) : الحركات التي قادها أهل البيت ( عليهم السلام ) بأنفسهم أو بواسطة وكلائهم ، ويضم هذا القسم حركة الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وثورة الإمام الحسين ( عليه السلام ) وغيرهما .
القسم ( 2 ) : الحركات التي قادتها شخصيات إسلامية مؤمنة موثوقة ، مثل : حركة أبو نصير وأبو جندل ضد قريش على عهد الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بعد صلح الحديبية ، وثورة المختار الثقفي ، وثورة التوابين بقيادة سليمان بن صرد الخزاعي ، وثورة زيد ، وثورة شهيد فخ ، وغيرها ، وهذه الحركات حظيت بمدح وثناء أهل البيت ( عليهم السلام ) ورضاهم ، ويرى البعض : بأنها خرجت بإذنهم .
القسم ( 3 ) : ردود الفعل الطبيعية ، حيث كان المؤمنون يتعرضون لأذى السلطات وقوى الموالاة ، وكانوا يدافعون عن أنفسهم كرد فعل طبيعي وبالقتال أحيانا ، وقد أقرهم أهل البيت ( عليهم السلام ) على ذلك .
القسم ( 4 ) : الحركات التي كانت تقودها شخصيات غير ملتزمة ، وكانت ترتكب الجرائم وتنتهك الحرمات ، مثل : حركة القرامطة وثورة الزنج ، وقد تبرأ أهل البيت ( عليهم السلام ) من هذه الحركات ، إلا أنهم لم ينصروا السلطات الجائرة ضدهم .

والخلاصة : أن الأئمة من أهل البيت ( عليهم السلام ) متصفين بالصدق ، وقد قاوموا الظلم والظالمين والمفسدين في الأرض ، ولم يقبلوا بالأمر الواقع ولم يتعايشوا مع الظلم ولم يسايروا الظالمين . وقد نجحوا رغم الإرهاب الشديد للسلطة ضدهم وضد شيعتهم في خلق كيان التشيع العظيم والتبليغ بالرؤية الكاملة : الفكرية والتشريعية والأخلاقية لمدرسة أهل البيت ( عليهم السلام ) وخلق الأرضية الصالحة لتسلم القيادة البديلة ( الفقهاء ) لأزمة الأمر في عصر الغيبة . ونجحوا في تشريب المؤمنين بالحس الثوري ( الرفض والمقاومة للظلم والانحراف ) والسير على خطاهم ، وحملوهم مسؤولية الإعداد للظهور الميمون لصاحب العصر والزمان ( أرواحنا لتراب مقدمه الفداء ) حتى يتمكن من تحقيق وعد الله عز وجل في الأرض بإقامة دولة العدل الإلهي العالمية على أنقاض دول الظلم والجور في العالم . ونصيحتي إلى المؤمنين : أن يعودوا إلى فطرتهم ويسترشدوا بها في تقييم الأطروحات التي تتعلق بالتعايش مع الظلم أو الرفض والمقاومة .. وفي عقيدتي : أن الفطرة لا تقبل بالتعايش مع الظلم والجور والفساد ، لأن نتيجة هذا التعايش هو : الذل والمهانة والصغار والضعف والتخلف والفشل في الحياة ، وهو أمر لا يقبل به عقل ولا دين .
ومن جهة ثانية : فإن رفض الظلم ، لا يعني التهور وتجاهل الظروف الموضوعية التي لها تأثر الواقعي في المواقف ، وإنما يعني الصدق والإخلاص والسير بواقعية في طريق المقاومة للظلم والفساد ، واتخاذ المواقف التي تصب في المصلحة العامة ( بحسب الظروف الموضوعية ) بعيدا عن تأثير الخوف والطمع وغيرهما من عوامل الضعف والوهن والركون إلى هذا الحياة الدنيا الدنية .

ملحق : الإجابة على الأسئلة
السؤال ( 1 ) : قال ماركس : " الدين أفيون الشعوب " ما رأيك في ذلك ؟
الجواب ( 1 ) : كان التوظيف السيئ للدين في أوربا العصور الوسطى هو المسؤول عن ظهور العلمانية ومثل هذه المقولة الباطلة ، وإسلاميا : كنا ولا زلنا نرد على هذه المقولة الباطلة استنادا إلى النصوص الدينية القطعية الصدور والدلالة ، واستنادا إلى سيرة الأنبياء والأوصياء ( عليهم السلام ) فالدين في نفسه هو السبيل إلى العدل والحرية والتقدم والازدهار في الحياة . وفي الواقع : فإن الحكومات الجائرة وبمساندة وعاظ السلاطين وضعف بعض القائمين على الدين ، قد تحول الدين ـ وهو أقوى العوامل تأثيرا على الإنسان ـ إلى أفيون لتخدير الشعوب وقبولها بالأمر الواقع الظالم والمنحرف ، والدليل على ذلك : تكرس الظلم والتخلف والفساد في الدول الإسلامية لقرون متعاقبة ، وعجز الشعوب الإسلامية عن إزالتها رغم أنها تدين بالإسلام ، وهذا عار يجب أن يغسل ، والدين منه بريء .

السؤال ( 2 ) : هل يستفاد من كلام الأستاذ دعوته إلى المقاومة ورفض المسايرة بصورة مطلقة ؟
الجواب ( 2 ) : المستفاد هو : أن الأصل هو رفض الظلم ومقاومته ، وأن أساليب المقاومة وأشكالها تخضع إلى الظروف الموضوعية ، ولهذا صالح الإمام الحسن ، وثار الإمام الحسين ( عليهما السلام ) .

السؤال ( 3 ) : ألا ترى أن أطروحتك في فهم حركة الأئمة ( عليهم السلام ) هي أطروحة شاذة بالنظر إلى أطروحات الفقهاء ، حيث نرى فقهاء كبار كالسيد الخوئي والسيد السستاني لا ينطلقون من نفس المفهوم ؟!
الجواب ( 3 ) : يختلف الفقهاء ( رضوان الله عليهم ) في مناهج العمل ، ويجب احترام جميع الفقهاء وتقديرهم ، وهذا لا يعني أن نعطل حقنا في اختيار المنهج الذي نرى أنه الأصوب من بين مناهج الفقهاء . وقد وضع الإمام الحسين ( عليه السلام ) القاعدة في الاختيار ، بقوله ( عليه السلام ) : " فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق " فقد جعل القبول بالحق سابق على القبول بالأشخاص والمناهج . وهذه هي القاعدة التي تفرضها عقيدة التوحيد ( فالله أولى بالحق ) فعلى كل مؤمن أن يعرف الحق ويقبل به ، ثم يقبل من بالقيادات والأطروحات والمناهج والمواقف ما يرى بأنها تعبر عن الحق الذي يعرفه .
وقد عد القرآن الكريم عكس القاعدة ، وهو ( جعل القبول بالأشخاص والأطروحات والمناهج والمواقف سابق على القبول بالحق ومعيار له ) على حد الشرك بالله عز وجل .
قول الله تعالى : { اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } ( التوبة : 31 ) .
والعمل بالقاعدة المعكوسة : يجعل الخلاف أزليا وغير قابل للحل ، ومن شأنه أن يرسخ الضلال والانحراف ، ويقطع الطريق على حركة التصحيح والتطوير في تاريخ الأمم والشعوب والمجتمعات .

السؤال ( 4 ) : كيف للناس العاديين أن يعرفوا أن ما يأتي به بعض العلماء من مواقف ليست نابعة من ضعف أو طمع ؟
الجواب ( 4 ) : من المشاكل الحقيقية التي تواجه المؤمنين وتنعكس آثارها السلبية الخطيرة جدا على أوضاع المسلمين ، أن الفقيه بما هو فقيه ، وعالم الدين بما هو عالم دين ، ليس محصن ضد الوقوع في شباك الخوف والطمع . وليس كل فقيه أو عالم دين يقع في شباك الخوف أو الطمع يمتلك الشجاعة الأدبية ليقول للناس بوضوح أنه واقع في شباك الخوف أو الطمع . ومنهم من يحاول أن يبرر مواقفه المتولدة من الخوف أو الطمع دينيا ويستميت في الدفاع عنها ، مما أنتج لنا أفكارا دينية وفتاوى تبريرية أدت إلى تشويش الرؤية أمام المؤمنين . والحل للخروج من هذا المأزق : أن يتحمل المؤمنون المسؤولية بالرجوع إلى فطرتهم في اختيار المنهج الذي يلامس فطرتهم من بين المناهج التي يطرحها الفقهاء العظام في الساحة الإسلامية ، وأن يتبعوا القيادات التي تعبر عنه بصدق وإخلاص ، ويلمسوا ذلك بالحس والوجدان ، وليس بالتبرير والأحكام المسبقة .

السؤال ( 5 ) : كيف تفهم السلوك السياسي للإمام السجاد ( عليه السلام ) بعد شهادة أبيه الإمام الحسين ( عليه السلام ) ؟
الجواب ( 5 ) : الإمام السجاد ( عليه السلام ) هو أول إمام لم يولد على عهد الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وبالتالي لم تكن له في أول عهده نفس الهالة التي كانت في نفوس المسلمين للأئمة الذين سبقوه ، وهم : الإمام علي ، والإمام الحسن ، والإمام الحسين ( عليهم السلام ) بسبب ما سمعه المسلمون من أحاديث الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في فضلهم ، ورأوا من سلوكه المتميز في تعظيمهم . ومن المشاكل التي واجهت الإمام السجاد ( عليه السلام ) أنه جاء بعد شهادة أبيه الدامية في ثورته ضد الحكم الأموي ، في الوقت الذي يتطلب منه التخطيط الرباني سلوكا سياسيا آخر . وقد نجح الإمام السجاد ( عليه السلام ) في إثبات إمامته ومكانته العلمية والروحية وحظي بمنزلة عالية بين المسلمين ( قضية الطواف وقصيدة الفرزدق ) كما نجح من خلال السير المتوازن الدقيق في المحافظة على الحس الثوري وتنميته ورعاية الحركات الثورية للثأر من قتلة الإمام الحسين ( عليه السلام ) وفي العناية بالوجود الشيعي وتنميته ، والقيام بدوره التربوي والتعليمي للمسلمين ، بدون أن يتورط في المواجهة العسكرية مع النظام الأموي .

السؤال ( 6 ) : لماذا أعطى المأمون ولاية العهد للإمام الرضا ( عليه السلام ) ولماذا قبل الإمام بها ؟
الجواب ( 6 ) : ولاية العهد للإمام الرضا ( عليه السلام ) كحدث سياسي يمكن تحليله وفهمه على ضوء قواعد اللعبة السياسية ، وهذا يحتاج إلى الوقوف على مجريات الأمور على ساحة الحدث ، وتوفر المعلومات الكافية عنه . وبحسب ما هو متوفر لدينا من المعلومات التاريخية ، فإن إعطاء المأمون ولاية العهد للإمام الرضا ( عليه السلام ) جاء لتحقيق عدة أهداف سياسية يحتاجها المأمون العباسي لتأمين حكمه ، منها :
الهدف ( 1 ) : إضفاء الشرعية على حكمه في ظل الصراع بينه وبين أخيه الأمين .
الهدف ( 2 ) : كسب ود الشيعة كقوة سياسية فاعلة ونامية معارضة ، والسعي لاحتوائها في الجسم الرسمي .
الهدف ( 3 ) : وضع الإمام الرضا تحت رقابة السلطة ، واحتواء حركته .

وقد قبل الإمام الرضا ( عليه السلام ) ولاية العهد وفق شروط محددة ، وتصرف سياسيا بما يخيب آمال المأمون في تحقيق أهدافه ـ وهذا ما تشهد به نتائج التجربة كما نقلها لنا التاريخ ـ وهو دليل على المقاومة وليس المسايرة ، مما اضطر المأمون للتخلص من الإمام الرضا ( عليه السلام ) بالسم .

السؤال ( 7 ) : هل يرفض الأستاذ عبد الوهاب المشاركة السياسية في البرلمان لأنها بحسب تصنيفه من المسايرة ؟
الجواب ( 8 ) : كانت المطالبة بتفعيل الدستور وعودة الحياة البرلمانية على رأس مطالبنا في انتفاضة الكرامة الشعبية في التسعينيات ، التي قدمنا فيها كوكبة من الشهداء الأعزاء يصل عددهم إلى ( 40 : شهيدا ) تقريبا ، ودخل السجن أكثر من ( 15 : ألف ) من أبنائنا الأعزاء ، بالإضافة إلى مئات المهجرين والمبعدين . فنحن لا نرفض المشاركة في نفسها ، والمشاركة في البرلمان قد تقوم على أساس المعارضة السياسية للسلطة .
والرفض للتجربة القائمة : إنما هو رفض لنتائج الانقلاب على الدستور العقدي وميثاق العمل الوطني ، باعتبار أن المشاركة تعني القبول بدستور المنحة غير الشرعي ، وأنها تكرس الأمر الواقع ، وتقبل بالسلطة المطلقة التي منحها دستور المنحة للسلطة التنفيذية ، وبالتالي : حرمان الشعب من حقه الشرعي في الشراكة السياسية الحقيقية ، وتصعيب الإصلاح الحقيقي في البلاد .

أيها الأحبة الأعزاء ،،
أكتفي بهذا المقدار ،،
واعتذر لكم عن كل خطأ أو تقصير ،،
واستغفر الله الكريم الرحيم لي ولكم ،،
واستودعكم الله الحافظ القادر من كل سوء ،،
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .