السبت، 25 أبريل 2009

فعاليات " محرم" بين الواقع والمعالجة

ندوة: فعاليات " محرم" بين الواقع والمعالجة
المكان: ملتقى مجلس الكرامة الأسبوعي – كرباباد / البحرين
الزمان: 8.30 مساء – ليلة السبت الموافق 26 ديسمبر 2008م
المنتدي: الأستاذ نادر المتروك – ناقد وكاتب صحفي


على مشارف شهر محرم الحرام استضاف مجلس الكرامة الأسبوعي قبل أن يعلق فعالياته بمناسبة عاشوراء الإمام الحسين عليه السلام الأستاذ نادر المتروك الناقد والكاتب الصحفي ليسلط الضوء حول الواقع التي تقوم عليه فعاليات عاشوراء الإمام الحسين (ع) ويطرح مقترحاته حول مقاربتها وفهمها وسبل تطويرها.
وأكد المتروك في حديثه على أن عاشوراء هي مناسبة ولادة وخزان للقيم والمبادئ والأفكار، كما لفت إلى التطور الملحوظ والمتواصل التي تشهده المناسبة من تطوير وإبداع في البحرين. وأشار إلى أن الصراع كان على الدوام بين مؤسستين هما مؤسسة الحكم والمؤسسة الدينية وسعي الأولى لبسط نفوذها والسيطرة وفرض هيبتها. وتطرق كذلك في حديثه إلى العوامل المؤثرة في تطور المآتم الحسينية في البحرين، كما عرض إلى أبرز الموانع التي تعرقل إحياء عاشوراء كمناسبة جامعة خارجةً عن اللون الحزبي والمذهبي.

وفي بداية معالجته استعرض الأستاذ نادر المتروك ما أسماه بالمخطط التنفيذي للحادثة موضع المعالجة مؤكداً بأن عاشوراء وما أنتجته من مؤسسات وفعاليات تحتاج إلى مقاربة توازي منتوجاتها ومؤثراتها.

وأورد في هذا السياق ثلاثة مستويات طرحها لمعالجة أي حدث تاريخي وهي:
1. المستوى النصوصي: وتحديداً النصوص التأسيسية والذي تتولد منها المدارس والأفكار.
2. المستوى النظري.
3. المستوى التطبيقي (العملي).

وتساءل عن المدخل التقييمي الذي يمكننا من خلاله الحكم على المذاهب الفكرية والتاريخية ونضعها في إطار التقييم السليم والموضوعي. ومثل بالنص القرآني كنص تأسيسي والذي تولدت من خلاله العديد من المذاهب الدينية والثقافية، وطرح فكرة الظلم التي يتحدث عنها القرآن الكريم ويعتبر الظلم مثلبة كبرى وأن التمسك بالظلم يؤدي إلى الخلود في النار، ووقف النص القرآني موقفاً حازماً تجاه الظالمين ودعا إليه.

كيف تعاملت المذاهب المتفرعة من النص القرآني ؟
يقول المتروك: هناك مدرسة تفرع و تفصِّل المسألة وتقول ليس كل ظلم تتم مواجهته وبالخصوص على المستوى العسكري، وأضاف: تتعدد التنظيرات حول موقف القرآن من الظلم والظالمين. وقال إن مدرسة أهل السنة والجماعة وبسبب ظروفها التاريخية بلورت موقفاً مهادناً تجاه السلطات الحاكمة في ذلك الوقت ولجأت إلى التمسك بأفكار كنظرية وجوب طاعة ولاة الأمر وعدم جواز الخروج عليهم. وعلق المتروك بالقول إن الموقف التنظيري لا ينسجم مع النص القرآني في موضوع الظلم. ولفت إلى أن الممارسة العملية قد تختلف مع المستوى التنظيري لتتوافق مع المستوى النصوصي كما كانت عليه بعض الشخصيات التي تنتمي لمدرسة معينة لكن مواقفها وممارستها العملية كانت تختلف بشكل كبير مع تلك المدرسة التي ينتمون إليها.

واستطرد: في أبسط التحليلات نستطيع القول أن الإمام الحسين (ع) واجه الظالم في زمانه وقاد حملة ضد الحاكم باعتباره ظالماً وخارجاً عن الإسلام وأعلن "الثورة" ضدَّه. أهل السنة يقولون أن موقف الإمام الحسين (ع) وافق النص القرآني بخروجه على الحاكم لكنه أخطأ على مستوى التنظير وكذلك في الممارسة العملية بحمله النساء والأطفال معه إلى المعركة.

ورأى المتروك ألا مانع من طرح الأسئلة ونقد الممارسات البشرية لكن المشكلة تكمن في الأسلوب الأمثل للسؤال وفي منهج الشك داعياً إلى التحلي بشيء من الانضباط النقدي والنفسي في هذا المجال. وطرح تساؤلا: هل أن عاشوراء كلها حزن وسواد لا ينتهي؟


عاشوراء البحرين
يقول المتروك إن عاشوراء في البحرين يتميز بدينامية ( حيوية وحركية ) واستنهاض للمخيلة الإبداعية، وأرجع ذلك إلى عدم وقوف تلك المخيلة عند عاطفة الحزن والمأتمية كما أن الفعاليات من مثل حملات التبرع بالدم لم تقف عند تلك الحالة من الحزن والمأتمية، أضف إلى ذلك – حسب المتروك – انتشار التعليم وتنامي الطبقة المثقفة بحيث أصبحت عاشوراء موسماً للعديد من النشاطات الثقافية، ويضيف بتساؤل يبعث على التفكير: أمن الممكن أن يفعل الحزن الصامت والدموع الخرساء كل هذه النشاطات؟

ويرى المتروك أن السر كامن بين رسالة المأساة وإبداع وإقامة الحياة، وقال مؤكداً بعدم إمكانية الفصل فهم النهضة الحسينية بين المستويات الثلاث على الإطلاق، كما أن النص لا يمكن أن يفهم بمعزل عن النظرية ولا يمكن فهم النظرية بفصلها عن الممارسة العملية.

واستشهد بما توصل إليه الشهيد السيد محمد باقر الصدر في العراق بأنه لا يمكن على المستوى التنظيري على غير تنظير الإمام الحسين (ع) في مواجهة النظام القائم آنذاك؛ حيث شخّص أن تلك الفترة لا يجدي معها إلا المواجهة المباشرة كما في ظرف الإمام الحسين (ع).

ومن جديد يؤكد المتروك على عدم إمكانية الفصل بين المستويات الثلاثة قائلا بأن النظرية هي ثابتة بثبات النص الأساسي وهي تصلح لأزمنة عديدة وصالحة شكل دائم لكن السؤال هو كيف تمارس وتطبق على أرض الواقع.

يتابع: في التسلسل التاريخي الأخير هناك تقدم كبير في إحياء عاشوراء الحسين (ع) والسبب يكمن في الوعي المبكر لضرورة المزاوجة بين المأساة والمضمون الحيوي التي تمثله النهضة الحسينية، ولم يغب عنه أن يشير إلى بعض الاستثناءات، ومنها بعض الممارسات عند الخطباء، وضرورة عدم الاستغراق في بعض الممارسات التجديدية التي تغطي على المعاني القيمية للنهضة الحسينية.

وقال المتروك إن البحرين مكان مليء باللامتوقع وهي تضج بالمناسبات الموسمية غير الاعتيادية. وهذا الشهر (شهر محرم) يمرّ على مكان في هذا الكون لكن ليس كل مكان كالبحرين أو شعب كشعب البحرين، ليكون مطلوباً من الجميع أن يقرأ كيف هي البحرين وكيف هو شعبها وكيف حالها وما جرة عليها وكيف ترحل غدا.

ودعا الأستاذ المتروك إلى أن يكون لعاشوراء البحرين وظائفها الخاصة لأن البحرين ليست كالآخرين، مضيفاً: فلتكن عاشوراء البحرين مختلفة عن إيران ولبنان لتصبح نهضة الإمام الحسين (ع) بمخاطب حي ودائم.


أيهما يقع في خدمة الآخر: البحرين (المكان) أم عاشوراء؟
عاشوراء غير قابلة للاستنزاف وهي ولاّدة بالقيم وخزاناً من العبر والدروس، وهذه المعاني الاجتهادية ليست هي عاشوراء فقط. إن عاشوراء أشبه ما تكون بالمزنة التي تختزن الخير والبركة وهنا يأتي دور البلد وأهلها ليستمطروا تلك السحابة بما يمنح التراب مزيداً من القيم العالية.


ظاهرة استقدام الخطباء من الخارج
إن ظاهرة استقدام خطباء من خارج البحرين – بعد استبعاد التبريرات الأمنية والطائفية لإغلاق الباب على الخطباء القديرين – ليست محل النقاش؛ فلا توجد نوازع عنصرية ضد الأجانب في البحرين. هناك ما له صلة بالجانب المادي، في حين يعبر الخطباء المحليون عن تخوفهم من انخفاض الحظوظ والمطلوبية.... بعض الخطباء المحليين يساوون في مستواهم من الطرح الفكري وجودة النياحة خطباء الخارج، كما يرى البعض أن الجيل الجديد من الخطباء يفوق أولئك في المستوى داعياً إلى توفي آلية نقابية تحفظ حقوق الخطباء المحليين. هناك أسماء طالعة يتوقع أن تحدث تغييرات في مستوى الخطابة المحلية وهذا الجيل استطاع أن يعيد الحيوية للمنبر الحسيني. بعض المآتم ذات الوجاهة الاجتماعية تعمد لاستقدام خطباء متميزين من خارج البحرين، وهو ما يسهم في صدام ثقافي مع خطباء الداخل.


كيف تطبع عاشوراء باللون المحلي؟
اقترح المتروك في هذا السياق مراعاة القيم الكونية (الإنسانية) لعاشوارء، كما اقترح وجوب خضوع الإبداعات المحلية للراهن القائم. يقول المتروك: منا هنا يمكن النظر بإيجابية إلى مؤتمر عاشوراء السنوي الذي ينظمه المجلس العلمائي. و يمكننا القول أن البحرين خطت خطوات ملموسة في التجديد كالمؤتمر المذكور وعلى ضوء ذلك يحتفي الموسم بأشكال جديدة من الإحياء. كما دعا المتروك إلى زيادة الدعم والإمكانات ورفع الموانع والتحفظات ولتصبح عاشوراء البحرين علامة أصيلة لا بد من تكاتف أهلي تام. ودعا أيضاً إلى البعد عن التحزبات والانتماءات الحزبية، كما وضع على عاتق المؤسسات مهمة تبديد الهواجس المحيطة بالمناسبة.

الموانع:
- العقلية الحزبية في تمثيل عاشوراء: لا بد من ترسيخ القيم الخالصة من التكييفات الإيديولوجية؛ ... فعاشوراء ليست شحناً حزبياً أو إيديولوجيا.
- بطء مشروع الإدماج الوطني لعاشوراء.

ما هي العوامل التي تؤثر على تطور المآتم الحسيني في البحرين؟
عرض الأستاذ نادر المتروك ما طرحه باحث تونسي يدعى الدكتور محسن الهديلي الذي أنجز رسالة دكتوراه بأطروحة حول مآتم البحرين، وقال المتروك إنه يراها مؤسسات للصراع السياسي والاجتماعي، وهو ما رآه يمكن أن يمثل إيجابية للبحرين فهو يقول إن البحرين تزخر بالتنوعات والتوجهات السياسية، وباعتبار الطائفة الشيعية غالبية نجد المتصادمين يسعون لضمان الجماعة السياسية واحتضانها؛ فالمآتم باقية على الدوام وهي محل لعبور كل الجماعات باختلاف مستوياتها، وكذلك هي مكان لتقديم الأفكار السياسية والاجتماعية في البحرين. وهي استقبلت- أي المآتم- بسرعة كبيرة المتغيرات المحيطة بها.

ورأى المتروك أن المأتم هو أسرع وأشد جذبا من المؤسسات للفواعل الاجتماعية للضغط والسيطرة عليه، بما فيهم الوجهاء غير المحسوبين على التدين والالتزام.




























المداخلات:


د. أحمد التحو/ طبيب وناشط اجتماعي:

- سأعطي مشهداً عاصرته وهو عندما كنت في سفر الحج قابلت شخصاً أوروبياً أتى هو الآخر ليحج وكان متشيعاً، وهو بكونه أكد على محورية القضية الحسينية بالنسبة للشيعة لكنه رأى بعض الظواهر غير الحضارية المصاحبة لإحياء عاشوراء كالإسراف في إعداد الطعام ومستوى النظافة غير اللائق. وكوني عضو في إدارة أحد المآتم أدعو إلى إعادة دراسة مسألة استقدام الخطباء بالنظر إلى الكلفة العالية والتي تصل إلى 3000 دينار.
- لقد أصبحت القضية الحسينية مطية للكثيرين يعبرون من خلالها إلى المناصب والامتيازات.
- الفعاليات تحتاج لإعادة قراءة وتوجيه.


عبد الغني خنجر/ عضو اللجنة الوطنية للشهداء وضحايا التعذيب:

- أشكركم على المحاضرة الشيقة وأنا أعتبر ظاهرة الإسراف في الأطعمة هي الأبسط قياساً إلى ظاهرة هيمنة إدارات توارثية على المآتم، وكثير منهم تلعب السلطة بتلابيبهم كما تريد.
- فيما يتعلق بموقع السلطة وهيمنتها على إدارات المآتم أين هوالخلل، والمعالجة لهذا الخلل؟


عباس العمران/ ناشط حقوقي ونقابي:

- إنّ قوة شهر محرم هي في التعبئة والحضور الجماهيري، وإن أهم خطر يواجهه الموسم هو الاختراق عبر الخلية البندرية. الحكومة تهتم بإضعاف هذا الموسم إلى جانب اهتمامها بإضعاف المؤسسات المؤثرة على الساحة.
- الحكومة وعلى المستوى المنظور تسعى إلى إخراج وإبعاد إحياء موسم عاشوراء من العاصمة المنامة.


الشيخ جاسم/ رجل دين:

- أشكر الأستاذ نادر المتروك على هذا المجهود كما أشكر مجلس الكرامة على هذه الاستضافة.
- مهما شكك المشككون وتوجس المتوجسون وتفلسف المتفلسفون فإنهم لن يصلوا إلى حقيقة قدسية الإمام الحسين (ع)؛ لأنه مكتوب على ساق العرش: إن الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة.


مداخلة: تمنيت أن يتم التعليق على التصريحات الأخيرة لوزير الداخلية من قبل رجال الدين وخطباء الجمعة فهي تصريحات خطيرة.
الأستاذ نادر المتروك:

- الأئمة (ع) هم جزء لا يتجزأ من النص المقدس ولا أحمل شيئاً من التوجس أو الخوف من (أفكارهم ) وهم مصادر ولاّدة للمعاني والقيم.
- هناك ممارسات معينة يعتقد البعض أنها حسينية مقدسة وهي عند الآخرين مدعاة للاستهجان .. ينبغي أن نقوم بمطابقة هذه الممارسات من خلال النصوص المتفق عليها.
- أؤكد على كلام الأخ عباس العمران وأؤيده ... ولكن قبل أن تكون هنالك خطط بندرية، هنالك صراع بين مؤسستين هما مؤسسة الحكم والمؤسسة الدينية وبخاصة الشيعية التي تلتزم بفكرة الاستقلالية. السلطة تسعى لتطبيق قانونها وتعتبر تلك الاستقلالية تمسُّ هيبتها. السلطة تعتبر أن المؤسسة الدينية هي خصمها اللدود، وهذا لا يعني أن الفواعل الاجتماعية الأخرى ليست خصما، بل إن السلطة تعتبر القوى الاجتماعية المثقفة المنتمية للخط الديني هي التي تذكر المؤسسة الدينية بمهماتها عندما تنساها أو تتجاهلها.

ليست هناك تعليقات: