الأحد، 31 أغسطس 2008

العلامة المقداد وشهر رمضان.. فرصة للتربية والتغيير

ملتقى مجلس الكرامة الأسبوعي

الفعالية: محاضرة لسماحة العلامة الشيخ عبد الجليل المقداد

( شهر رمضان ... فرصة للتربية والتغيير )

التاريخ والوقت: ليلة السبت – الساعة 8.30 مساء / 28- 8 - 2008 م.


عاد ملتقى مجلس الكرامة الأسبوعي ليزاول نشاطاته الثقافية عبر محاضرة في استقبال شهر رمضان المبارك تحت عنوان ( شهر رمضان ... فرصة للتربية والتغيير )، ألقاها سماحة العلامة الشيخ عبد الجليل المقداد.

وتطرق العلامة المقداد في حديثه إلى الحديث عن العبادات بصورة عامة، وذلك في نقاط ثلاث:

(1) التعبد والتسليم بالأحكام الشرعية.

(2) عدم جواز وصحة اقتراح العبد على ربه سبحانه؛ بأن يقترح كيفية خاصة في العبادة، أو عبادة خاصة محل عبادة أخرى.

(3) أثر العبادة على نفس الإنسان وعلى تهذيبها وتكميلها.


في النقطة الأولى، أشار إلى أنّ مقتضى العبودية والإيمان أن يتعبد الفرد المسلم ويسلِّم بالأحكام الشرعية وإن خفي عليه وجه الحكمة فيها وجهل بأسرارها والمصالح الكامنة فيها.

وأكّد على أن التعبُّد والتسليم هو عنصر ضروري لتدين وإيمان الإنسان المسلم، وأنه ينبغي عليه أن ينظر إلى الأحكام الشرعية نظرة احترام.

وأضاف: يكفي أن نعلم بأنّ صدور تلك الأحكام من قبل الله سبحانه وتعالى وأنه هو الذي أمرنا بها لنتعبّد ونسلّم بها، على اعتبار أن " الشارع الحكيم محيط بالمصالح والمفاسد هو من شرع تلك الأحكام ".

وحذَّر في هذا المجال من " الاستخفاف والاستهانة بأحكام شريعة الله سبحانه وتعالى ".

وساق تأكيداَ لهذا المعنى، ما رواه محمد بن أحمد بن يحيى عن محمد بن عيسى اليقطيني عن النضر بن سويد عن عمر بن شمر عن جابر عن أبي جعفر (ع) قال: أتاه رجل فقال: له وقعت فارة في خابية فيها سمن أو زيت فما ترى في أكله فقال: له أبو جعفر (ع) لا تأكله فقال: له الرجل الفارة أهون علي من أن اترك طعامي من اجلها قال: فقال له أبو جعفر (ع) إنك لم تستخف بالفأرة إنما استخففت بدينك.


وواصل المقداد: إن ضعف التعبد والتسليم يؤدي إلى أن تستشري في الإنسان حالة الاستخفاف والاستهوان بالأحكام الشرعية. حيث قال سبحانه: ( ... وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) الآية 85 – سورة الإسراء. ففي عالم التشريع والتكوين هناك أمور كثيرة لا نعلم وجه المصلحة فيها، ونسبة معلوماتنا أقل من نسبة مجهولاتنا في هذا الكون.


وفي النقطة الثانية، وهي عدم صحة اقتراح العبد على ربه سبحانه، يقول العلامة المقداد: هو سبحانه أعلم بمصالحنا ولا ينبغي للعبد أن يتكبر و يتعالى، منبهاً إلى أنّ التكبر والتعالي هو الذي أوقع الشيطان فيما وقع فيه برفضه السجود لآدم بأمر من الله سبحانه جلّ وعلا.

إذ يقول تبارك وتعالى: ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكّموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما ) الآية 65 – سورة النساء.

أما النقطة الأخيرة، فكانت حول أثر العبادة على النفس، حيث تلا قوله سبحانه وتعالى: ( إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا ) الآية 5 – المزّمل. وقال إن بعض التفاسير تذهب إلى أن المقصود بالقول الثقيل هو ما يرتبط بهداية الأمة ورعاية شئونها.

واستطرد بالقول: هناك نظرتان للعبادة:

- نظرة خاصة يكون هدف الإنسان منها غرض شخصي وهو أن يكمِّل ويهذِّب نفسه.

- والنظرة الأخرى هي أن العبادة والتهجد والخضوع يكون من أجل تحمل المهام الجسام وأن يمارس الإنسان مسئولياته الاجتماعية. مذكراً بوقعة بدر الكبرى بأنها كانت في شهر رمضان المبارك.

وأكد العلامة المقداد أن الأئمة عليهم السلام مع أنهم كانوا أعبد وأزهد وأطوع الناس لله سبحانه إلا إنهم كانوا في صلب المجتمع.

كما أكد بأن الاعتقاد بأن مردود العبادة لا يكون إلا على الذات هو فهم خاطئ.

كما رفض بعض التصورات الخاطئة فيما يتعلق بالشهر الكريم ومنها الإسراف في والتركيز على المأكولات، بل طلب الاعتدال بشأنها.
وتصور آخر رآه المقداد خاطئاً وهو اعتقاد البعض بأنّ شهر رمضان هو شهر للراحة فيركن إلى الجمود والخمول ( ونومكم فيه عبادة )، فيلجأ البعض إلى تعطيل التزاماته ووظائفه استناداً لتلك الحجة الخاطئة.

الأسئلة والمداخلات:

مداخلة (1): البعض من العلماء يفصلون الحالة الدينية عن المطالبة بالحقوق، حسب فهمنا العام، إن المطالبة بحقوق الناس هي جزءٌ لا يتجزأ من الدين.


العلامة المقداد:
السؤال ليس له كثير ارتباط بمجمل الكلام، لكن على نحو الإجمال، إن الدين كلٌّ لا يتجزأ وكما شرع الله سبحانه عبادات وأحكام شرعية كذلك جاء ليرفع الظلم عن الناس وليحقّ حقوقهم ويطالب بها. هذه التجزئة مرفوضة في شرع الله سبحانه.


مداخلة (2): ما هو وجه التشابه بين فريضتي الصيام والحج؟ إذ أنهما يتصفان بالمشقة ويأتي بعدهما العيد. ولماذا تركز الأدعية على طلب التوفيق للحج؟


العلامة المقداد:

ما يرد في الذهن، أن أدعية الشهر الكريم كثير منها فيها طلب للتوفيق للحج، بلحاظ أنه يأتي بعد الشهر الكريم وهو فريضة عظيمة، والشهر الفضيل هو من مظانّ استجابة الدعاء.

من جهة أخرى، قضية أنهما طويلان ( وأنه يأتي بعدهما عيد وفرحة ) فكما أن الأعمال الشاقة يكون بعدها أجرة، وهنا لا نقول أن العبد يستحق أجرة على الله سبحانه أو نشبه الأمر بذلك، لكن بما أنهما عبادتان شاقتان فناسب أن تكون بعدها فرحة ( العيد ).



مداخلة (3): النقطة التي تثار في مثل هذه الأيام هي مسألة رؤية وتثبيت الهلال.. من المعلوم أن العبادات تهدف إلى توفير الحالة الوحدوية، هل يمكن من الناحية الفقهية تأسيس رأي فقهي متكامل بتوحيد رؤية وتثبيت الهلال أم لا؟


العلامة المقداد:
- يمكن ولا يمكن ..
- لا يمكن، لأن هذا من قبيل أنت تطلب أن يتَّحد الناس على أمر واحد .. فالقناعات تختلف، وكذلك الآراء الفقهية، والضوابط التي يثبت من خلالها الهلال تختلف.

- هناك محدودية لا يمكن تجاوزها .. يمكن أن نحد من هذه الظاهرة ( الاختلاف الشائع حول تثبيت الهلال ) من خلال التقاء العلماء، وأن تؤسس جهة معينة موثوقة تبتُّ بأمر الهلال فهذا ممكن إلى حدًّ ما .. وإلا إذا لم نتمكن من هذا المقدار، فباطن الأرض خيرٌ لنا من ظاهرها.

- مسألة الوثوق بشهادة الشهود: كحالة نوعية ( عامة ) .. هو أنه منتشر عندنا أن من يشهد عند فلان لا أثق به .. فهل يشهد عند فلان الملائكة والأخر يشهد عنده الشياطين؟



س: هل يمكن الاعتماد على حكم الحاكم الشرعي في مسألة تثبيت الهلال؟


العلامة المقداد:
المسألة فيها خلاف، حول هل يعوّل على حكمه أم لا؟



مداخلة (4):
- طرحتم مفهوم العبادة من أجل التكامل الشخصي، فالتكامل من خلال العبادة هو تكليف إلهي .. ما هي الفائدة من العمل على تكامل الذات إذا لم يقده ذلك العمل للاهتمام بالحياة الاجتماعية .. وهناك مصاديق كثيرة نراها على أرض الواقع.

- حول التمثل بمعركة بدر وأنها وقعت في شهر رمضان، عندما تطرح فعاليات تهم المجتمع نرى الكثيرين ينزوون عنها بحجة عدم ملاءمتها بكونها في شهر رمضان .. كيف نستفيد من هذا الشاهد التاريخي في سبيل مقارعة الظالم؟



العلامة المقداد:
من باب تقريب الأمور المعنوية بشواهد حسية، لو افترضنا وجود مسار طوله متر واحد، فأنت عندما تقف عند مسافة النصف تكون قد خسرت النصف الباقي.

البحث فقط عن تكامل الذات يوحي بوجود خلل .. كطرح عام، مما نفهمه من سيرة أئمتنا أنهم عاشوا للناس. من الذي رفع اللواء وبارز فرعون أليس هو نبي الله موسى (ع)؟
قال تعالى: ( وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم ) الآية 49 – البقرة.

أما القول إن مردود العبادة هو على الذات فقط فلا يلتقي مع سيرة الأئمة المعصومين عليهم السلام. ولا يفهم عن شهر رمضان أنه شهر خمول، بل هو شهر عطاء .. بل ينبغي أن يبادر إلى الأعمال لأنها مقبولة.



مداخلة (5): كثير من أعمال الشهر موجود في الكتب .. لكن الغائب عدم الشعور بلذة العبادة، فكيف يمكن للعبد أن يحصل على الشعور بلذة العبادة؟ وكيف نحول ذلك إلى واقع عملي؟



العلامة المقداد:
الجامع بين السؤالين أن النفس تحتاج إلى مجاهدة، والقليل من يوفق لهذا المعنى ... النفس تواقة إلى الرغبات ومتابعة الشهوات.

يقول الحديث: ( حفّت الجنة بالمكاره، وحفّت النار بالشهوات )، وحديث: ( أعدى أعدائك نفسك التي بين جنبيك ).

والحديث عن الرسول (ص): ( مرحبا بقوم قضوا الجهاد الأصغر وبقي عليهم الجهاد الأكبر، فقيل له: يا رسول الله، وما الجهاد الأكبر؟ قال (ص): جهاد النفس ).